رسالة إلى من يهمه أمر مصر
قابلت العديد من السياسيين والصحفيين من مختلف جنسيات العالم خاصة بعد الثورة بصفتي مدون وناشط سياسي مصري ومدير برامج المعهد المصري الديمقراطي .. تناولت المواضيع التي طرحت للمناقشة في تلك المقابلات جوانب عدة منها ما هو خاص بدوري في الثورة وتحليلي لجوانبها المختلفة خاصة دور الإنترنت ومنها ما هو عام عن مستقبل مصر السياسي ..
تعلمت الكثير في تلك اللقاءات عن كيفية رؤية العالم للمصريين قبل وبعد الثورة ..
أتذكر جيدا مؤتمر جمعني بعضو منظمة "الإشتراكية الدولية" قبل الثورة بشهور والذي أجابني عن سؤالي عن سبب رفض الأوروبيين مساعدة المصريين في الحصول على الديمقراطية مبررا ذلك بخوف الأوروبيين مما يأتي بعد مبارك , وشرح اجابته بما معناه أن المصالح أقوى من التعاطف الذي يحمله الأوروبيين نحونا
ثم أتذكر جيدا تغير الوضع بشكل كامل بعد الثورة وكيف أصبح السياسيون والصحفيون الغربيون ينصتون لما نقول في محاولة لفهم أعمق وأشمل لما يحدث في مصر بعد أن فوجئوا بتحرك ثوري ضخم يختلف عن كل قراءاتهم وتوقعاتهم ولم يمكنهم استيعابه بسهولة
في العديد من تلك اللقاءات والحوارات صادفني سؤال متكرر أظنه صادق وحائر أيضا من أشخاص من دول مختلفة ومن خلفيات أيديولوجية ومنطلقات مصلحية مختلفة وجاء السؤال بصيغ – "ما الذي يمكن أن نفعله لنساعد المصريين؟" – "كيف نساهم في بناء الديمقراطية في مصر؟" – "ما الذي يحتاجه المصريون بعد الثورة حتى تتحول مصر الى دولة ديمقراطية؟"
قد يظن الكثير من المصريين أنه سؤال مخادع وأنه لا يوجد من يتمنى لمصر أن تتقدم وأن تصبح دولة ديمقراطية حرة .. ولكنني أؤمن بصدق الرغبة لدى الجميع في تحويل مصر لدولة ديمقراطية حرة متقدمة منفتحة على العالم لإن البديل الوحيد المتاح عن ذلك هو أن تصبح مصر دولة مصدرة للفوضى والإرهاب والتوتر وعدم الاستقرار
أجتهدت مرات مختلفة للإجابة عن نفس السؤال بصيغه المختلفة ثم قررت أن أصيغ اجابة واحدة في مقال واحد لعلها تكون إجابة مفيدة للمصريين ومستقبلهم
السؤال : كيف يمكنكم أن تساعدوننا ؟
الواقع يقول أن هناك آلاف الطرق التي يمكن لأى دولة أو مجتمع متقدم أن يساعد بها مجتمع نامي لا يزال يخطو خطواته الأولى على طريق الديمقراطية والحرية
والواقع يقول أن أكثر من يستطيع مساعدتنا هم جيراننا الأوروبيين والبحر متوسطين بسبب قربهم الجغرافي والثقافي والتاريخي والمصلحي لذلك دائما ما يكون كلامي موجها عند الإجابة على هذا التساؤل – بوعى أو بدون وعي – لجيراننا الأوروبيين أكثر من غيرهم
يمكن التحدث عن الضغط على الحكومة المصرية للقبول بالخضوع لمعايير ومبادئ حقوق الإنسان كما يمكن أيضا الحديث عن أهمية تمويل المجتمع المدني المصري خاصة الناشط في مجال التعليم المدني حتى يستطيع أن ينشر أفكار الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان في مصر
لكن تلك الصيغ بهذا الشكل عادة ما تثير حفيظة المصريين ونفورهم , فرغم كل شئ تبدو المطالبة بالضغط الأجنبي على الحكومة الوطنية لأى هدف مهما كان نبيل أمر سئ السمعة غير مقبول حتى في المجتمعات الديمقراطية , ويبدو الحديث عن تمويل المجتمع المدني – رغم أهميته البالغة ورغم مشروعيته – تسولا يُشعر المصريين بالمهانة أكثر ما يشعرهم بالإمتنان
ولذلك أحب في إجابتي دائما أن أبتعد عن تلك النقاط وأركز على نقطة أخرى أراها أساسية ولا يمكن إغفالها – كما أنها توافقية إلى حد كبير – هي الدعم الثقافي بعيد الأمد
الإجابة : الثقافة والتعليم : الترجمة – المكتبات – مراكز البحوث – البعثات التعليمية ...
إذا ما كنا نريد حقا أن تكون مصر (ومن خلفها الدول العربية والإسلامية) دولة ديمقراطية عادلة تحترم مبادئ حقوق الإنسان وتحفظ كرامة مواطنيها وحرياتهم وبالتالي لا تصدر الهجرة العشوائية إلى أوروبا أو الإرهاب إلى بقية دول العالم فيجب أن يتعاون الجميع في الدعم الثقافي والحضاري للمجتمع المصري
أعتمد محمد علي مؤسس الدولة المصرية الحديثة في القرن التاسع عشر على الترجمة والبعثات التعليمية لأوروبا ليحول الطبقة العليا من المجتمع المصري إلى طبقة متعلمة مثقفة قادرة على ادارة الدولة بشكل متحضر منظم بأحدث طرق الإدارة في ذلك الزمان ومن القصص المؤثرة في ذلك الصدد قصة حياة شاب صغير بدأ حياته كبائع بطيخ لا يعرف القراءة والكتابة وانهاها كواحد من أبرز واشهر أطباء مصر في ذلك العصر
والحقيقة أننا نحتاج لحركة ترجمة جديدة واسعة وشاملة لنقل الحداثة والتطور إلى الشعب المصري ككل حيث لم يختلف الوضع سوى في التطور الجبار في طرق الترجمة والاتصال
- نحتاج لحركة ترجمة واسعة من كل لغات العالم للغة العربية .. وعندما أتحدث عن الترجمة لا أتحدث عن ترجمة الكتب السياسية والفلسفية فقط بل والمقالات اليومية في جرائد العالم والأفلام السينمائية والوثائقية والعلمية أيضا بل وترجمة مواقع الإنترنت الكبرى .
نحتاج لتكرار تجربة موقع لي-لك لتصبح هناك نوافذ متعددة للحوار بين الكتاب الشباب المصريين وغير المصريين , حيث يستطيع كل شخص أن يعبر فيها بلغته ويتفاهم مع الآخرين دون أن يحتاج إلى تعلم لغة وسيطة
- نحتاج لمكتبة كبرى في كل محافظة في مصر ولنتخيل الوضع لو قامت كل دولة عضو بالإتحاد الأوروبي بإنشاء مكتبة بإسمها بالإتفاق مع الحكومة المصرية في إحدى محافظات مصر بمعايير حديثة متطورة وأثر ذلك على رفع المستوى الثقافي للشباب وانفتاحهم على ثقافة تلك الدولة وحضارتها
- نحتاج أن يتم دعم التعليم المصري الأساسي والفني والثانوي والجامعي بطرق تدريس وتدريب حديثة تواكب العصر وتخرج أجيال من المصريين القادرين على البناء والإدارة والتخطيط بشكل علمي سليم .. لو قامت كل دولة متقدمة ببناء مدرسة واحدة حديثة أو معهد فني أو قسم في جامعة في مصر لتغير شكل ومضمون التعليم المصري للأبد
- نحتاج لتوسيع البعثات الطلابية المصرية لمختلف دول العالم المتقدم – بعثات تتعايش مع ثقافات العالم المختلفة في الشرق والغرب – بعثات طلابية تزور آسيا وأمريكا وأوروبا وتعود لمصر تحمل الخبرات التقنية والمعيشية لتساهم في بناء مجتمع
بإختصار نحتاج منكم أن تساعدوننا في بناء عقول جديدة منفتحة لأجيال جديدة من المصريين المقبلين على العالم المتفاهمين معه المساهمين في رخائه وتقدمه والفخورين بكونهم جزء أصيل وفاعل منه .. فهل ستساعدوننا ؟
أحمد بدوي
كاتب وناشط سياسي مصري
9 ديسمبر 2011
No comments:
Post a Comment