تسليم المسئولية لا يعني الموت
كما هو شائع في بلادنا
في كل
البلاد الديمقراطية تعد طقوس تسليم وتسلم السلطة ركنًا أساسيًا من أسس استمرار
النظام في الخدمة العامة , حيث إن طول أعمار الشعوب يتجاوز بكثير أطوال
أعمار أفرادها ولايمكن لدولة أو نظام أن يستمر في الوجود إن اعتمد على
أفراد بعينهم , فلكل شخص أجل محتوم , لا يجب ربط نهاية نظم الخدمة العامة به .
ولذلك يكون الانتقال السلمي الرسمي
المقنن للمسئولية من جيل أقدم لجيل أكثر شبابًا وسيلة ضرورية للحفاظ على مكتسبات
مجهود الجيل الأكبر وضمانًا لتنمية تلك المكتسبات لصالح البلاد والعباد .
ولن تجد
مسئولًا "ناضجًا" في نظام من نظم الديمقراطية الحرة يرغب
في التأبيد في منصبه . فهذا يعني ببساطة أن يفلس ذهنيا ويتراجع أداؤه وأن يخرب
بنفسه ما صنعه بنفسه أيضا من قبل, ويعلم جيدًا القادة الديمقراطيون أن تحمل
المسئولية السياسية هو تكليف مؤقت بخدمة عظمى يترتب عليها الكثير من العواقب التي
تتجاوز حتمًا الأنانية الفردية أو الرغبة في الحكم .
يعلم
السياسيون في النظم الناضجة سياسيًا أن المكافأة الحقيقية للسياسي أو القائد تكون
عندما يتقاعد ويرى ثمرة مجهوداته ونتائج أعماله ويرى تقدير واحترام وامتنان
المجتمع له لما أدّاه من واجب خلال سنوات خدمته , وهنا - عكس الراسخ عندنا
- لا يصبح تسليم السلطة من جيل إلى جيل موتًا أو عقابًا للجيل
الأكبر بل امتدادًا ضروريًا لعمله يحرص عليه الجميع
بينما
في النظم المتأخرة يتعلم أصحاب المناصب أن المناصب هى البوابة الذهبية للنفوذ
والأضواء والسلطة المادية والمعنوية ويتعلمون أن ترك المنصب يعني ترك الحياة ذاتها
, عملية مؤلمة مرعبة يحاول المسؤولون تجنبها بشكل غريزي يشبه غريزة البقاء
. فيحرصون على خنق البدائل وترسيخ فكرة أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان . ونرى رأي
العين تشبث المسؤولين بمناصبهم بأية طريقة حتى الموت وربما بعد ذلك أيضًا
ولا سيما في النظم الشمولية التي تنبني على شرعية القائد المؤسس .
دور أبوالفتوح كأب روحي لحزب مصر
القوية
هل ما سبق ينطبق على حالة الدكتور عبد المنعم
أبوالفتوح رئيس ومؤسس حزب مصر القوية ؟ الإجابة : "نعم"
و"لا" أيضًا !
فـ"نعم" ينطبق على أبوالفتوح ما
ينطبق على البشر جميعًا من سنن الحياة - فسوف يرحل عنا يومًا مثلما سوف نرحل
جميعًا , وهو أيضًا معرض كأى سياسي أو مسؤول لمرحلة الجفاف الفكري والتكلس
السياسي. حيث تمر السنوات وتتعاقب المراحل في حياة الشعوب وتعصف المتطلبات الجديدة
بالأفكار والطرق القديمة وتتطلب رؤًى شابة وآمالًا طويلة الأجل
للمستقبل
و"لا" , لم يؤسس تتح نظامًا حزبيًا
شموليًا يدعو لنظام دولة قائم على مركزية الرجل الواحد بل حزبًا قائمًا على
التشاركية والتعاون بين الجميع ولم تكن قيادته للحزب خلال مرحلة التأسيس سلسة سهلة
منعمة تجعله يطمع في الاستمرار للأبد على رأس الحزب لمنافع شخصية أو نفوذ مادي.
كان
أبوالفتوح وسيظل الأب الروحي لحزب مصر القوية وهو أمر لا يقوضه بتاتًا تسليمه
للقيادة لجيل أصغر - جيل الثورة - بل على العكس فإن تسليمه للقيادة يعني أن
كل مادعا إليه وما وعد به كان صدقًا وصوابًا. بينما سيكون خضوعه وخضوع أعضاء الحزب
للابتزاز القائم على (عدم وجود بديل) إنتكاسًا عن المسار الصحيح يترتب عليه فقدان الثقة
في المشروع قبل الشخص ويحول مصر القوية لفكرة أخرى لم يكتب لها النجاح .
بل دعني
أقولها بشكل أكثر صراحة وحدة , رحيل أبوالفتوح عن رئاسة الحزب هو أمر من تلك
الأمور التي سوف نواجهها حتمًا , فإما تم ذلك بشكل منظم راقٍ وأخلاقي فيحصل
هو على التكريم اللائق بشخص أدى مهمته الوطنية ونحصل نحن على قيادة جديدة منتخبة
تمثل شباب الثورة وتقود الحزب لآفاق جديدة من العمل الهادف لخدمة مصر وشعب مصر
يساهم فيها أبوالفتوح كأبٍ روحي يدعم تلك القيادة بحكمته وخبراته وعلاقاته وحب
الأعضاء له .
أو
علينا أن ندفن رؤوسنا في الرمال ونلقي بالمسئولية على عاتقه ونطالبه بتقديم ما لا
يعقل أن يقدمه من رؤية جديدة وأسلوب جديد في القيادة وسيتحتم علينا وقتها تحمل فشل
ذلك الرهان ومشاهدة اندثار الحزب وانفضاض الناس عنه , بل وربما - الأسوأ - يكون
علينا أن نشهد بعد شهور أو سنوات تخلي أبوالفتوح عن المنصب لظروف صحية وبدء صراع
مدمر - إن بقى هناك مايمكن تدميره - على خلافته يؤدي لانقسام الحزب وتفكيكه .
علينا إن
أردنا أن يكون لمصر القوية مكانًا في مستقبل مصر أن نصنع ذلك بأيدينا وعقولنا وأن
نتحمل مسئوليتنا كجيل , أشعل ثورة ولم يكملها بعد , في إدارة شؤوننا العامة
بأنفسنا بما يناسب ظروفنا وأفقنا لا بما يحاول أن يفرضه علينا البعض من مسار ضيق
محدود محتوم الفشل لأمر في نفس يعقوب .
متطلبات المرحلة القادمة
بعض المنادين
باستمرار أبوالفتوح في رئاسة الحزب رغمًا عن رغبته هو نفسه , يدعوننا
لتفويت لحظة تاريخية نادرة وفرصة لن تتكرر في تاريخ مصر , حيث النظام الاستبدادي
الحاكم على وشك الانهيار لا يسانده من الحجج واقعيًا إلا حجة عدم
وجود بديل له , وهم أنفسهم أيضًا الذين يؤمنون بأنه لا بديل لحكم العسكريين
إلا الحكم الإخواني ويعلنونها صراحة أو خفية بأنه لا عملًا سياسيًا متاحًا
أمام حزب مصر القوية إلا بعد رجوع الإخوان للسلطة ثم التفاوض معهم على
المساحة التي سيسمحون لنا بالعمل فيها .
يظنون
خطئًا أن الإخوان قد تعلموا الدرس وأنهم إن عادوا للسلطة يومًا سوف يفتحون
السجون ويحررون العمل المدني والسياسي , وهو الظن الأكثر وهمًا حتى من وهم عودة الإخوان
للسلطة يومًا ما , أقول لهؤلاء إن التاريخ قد علمنا بأن من يرضى بالفتات لا
يحصل إلا على الفتات وإن الإخوان إن عادوا بمعجزة ما للسلطة يومًا
فسوف يملؤون السجون - إن لم تكن المقابر - بمعارضيهم الذين يرونهم
خونة للشرعية والدين. بل ودعني أقولها صراحة , فقد انتهت جماعة الإخوان كما
انتهى رديفها الحزب الوطني . وأن تكريم الميت دفنه ودفن النظم الفاسدة لا
يكون إلا باستبدالها بنظم أكثر عدلًا ورحمة
لا بديل
, فعلًا عن العمل الجماعي المنظم لبناء بديل ديمقراطي حر قائم على تشبيك مجهودات
وأفكار جيل الثورة لجمع الصفوف لاستكمال معركة الحرية والكرامة , لا بديل
عن مصر القوية الدولة لا الحزب ومصر القوية الحزب لا الفرد المؤسس . ولهذا مقال آخر.
م.أحمد بدوي
عضو المؤتمر العام