في هذه الحلقة من احلام بدوي
يكتشف بطل الحلم أن صديقه القديم أحد أكبر سحرة هوجوورث الذين هاجروا إلى مصر منذ أجيال
وذلك عندما دعاه لزيارته في منزل عائلته الأرستقراطية في المقطم
في لحظات تحول المنزل الكلاسيكي الفخم إلى خرائب تعشش في أعلى حوائطها المتآكلة الفئران الطائرة والدبابير ذات الشوك الذهبية، التي أثارت رعبه
في الحقيقة كان ما أكثر ما أثار رعبه هو ذلك الغراب الذي دخل إلى الغرفة في خطوات واثقة ونظرات مركزة وكأنه اقطاعي عجوز يتفقد أملاكه، لم يتحكم في يده وهي تلتقط كوب ماء ساخن وجده فوق المكتب ليسكبه نحو الغراب المرعب، لسبب ما تحول الماء المغلي الذي ألقاه ليحمي طفلته إلى ماء مثلج سرعان ماتساقط على الأرض كحبات ثلج صلبة تحطمت كل قطعة منهم لآلاف القطع الاصغر والتي تحطمت بدورها لقطع أصغر حتى أختفت تماما وإن ظلت تلمع لمعانا فضيا غريبا من بين ثنايا السجاد الايراني الفخم
لم يكن أحمد يعلم شيئا عن السحر، لكن خوفه على طفلته الصغيرة التي لم تبلغ عامها الثاني بعد والتي أتى بها ظنا منه أنها سوف تفرح بوجودها في هذا المنزل القديم الذي يزوره بدعوة من صديقه لأول مرة جعله يلجأ للحيلة الوحيدة التي يعلمها من الصغر، قراءة القرآن، ورغم أنه لم يكن متدينا، بل أقرب للالحاد وعدم الايمان بالله، لكنه ما أن بدأ ذلك التحول الكابوسي في المكان من حوله حتى خرجت الآيات القرآنية التي لم يرددها منذ مايقترب من العقد بصورة عفوية مرتعشة من بين شفتيه
كأن الصدمة قد أخرجت كل مايحتفظ به عقله الباطن من حيل دفاعية تعلمها منذ كان طفلا، ما زاد هلعه كانت طفلته التي بدت هادئة رغم كل مايحدث، حتى أنه شك للحظة أنه يهلوس، فصديقه أيضا لم يبدو عليه التأثر عندما بدأت تلك التحولات المخيفة في الحدوث، وعندما انكمش باب الغرفة التي يستقبلهم فيها أشار بيده وكأنما يقاوم شيئا ما
لم يفهم أحمد مايحدث، كان تركيزه مشتتا بين مايفعله صديقه - الذي بدا مهيبا في تلك اللحظة رغم يداه المعروقتان ونحافته الشديدة - وبين طفلته الصغيرة وجلوسها بهدوء علي الارض بملابسها التي بدت ملائمة لذلك المنزل الكلاسيكي
كانت والدتها أصرت على شراء ذلك الفستان لها وذلك الجورب الطويل الذي جعلها تبدو كفتاة من القرن السادس عشر عندما علمت بدعوة صديقه له لحضوره
لم يفهم تحديدا كيف استقلبت شرط صديقه - الذي ظنه مازحا - بعدم حضورها للقاء بهدوء وعدم اكتراث وكأن الطبيعي أن يدعوك صديق عمرك لمنزله ويطلب احضار ابنتك بدون زوجتك، كان يظنه يمزح حتى أخبرها ضاحكا بما طلبه منه، لكنه أربتك من رد فعلها المتفهم تماما والذي أشعره وكأن هذا هو الطلب الأكثر منطقية في العالم
على الأقل هو طلب أكثر منطقية من طلبات كثيرة يطلبها منه مديره في العمل، هكذا عبرت الفكرة في عقله ولم يتوقف عندها كثيرا
يعود عقله لأرض الواقع ليفاجئ بأن كم التغييرات التي حدثت حوله وهو يفكر في الاحداث التي سبقت ذهابه للمنزل مذهل
كانت طفلته لا تزال جالسة على الارض تمسك في يدها ما بدا فأرا لعبة، كثيف الفرو وعيناه شديدة اللمعان، من أين أتت به، لم يكن هنا منذ لحظات! ثم استدار ليدرك أن ما بدا انكماش عجيب في باب الغرفة هو تآكل رهيب في جدرانها وكأنها غمرها الحمض فتآكل ورق الحائط وبدت فجوات شديدة السواد خلفها، قفز الفأر من يديها، وقفز قلبه في قدميه، هذا فأر حقيقي للغاية، ليس دمية كما تصور منذ لحظات، لم يدري هل خوفه ينبع من أن ينقل ذلك الفأر الأمراض لإبنته أم من رد فعل والدتها عندها يخبرها!
لم يكن يمانع أن تلعب أبنته مع الحيوانات قليلا، لكن لم يتصور يوما أن تمسك فأرا بتلك الاريحية، ثم أن ذلك الفأر كان أى شئ إلا طبيعيا، ذلك السواد القاتم وذلك اللمعان في عينيه لم يره من قبل، لكن ما لم يكن طبيعيا حقا هو مافعله بمجرد أن سقط من يد إبنته، لقد جري بسرعة من مكان جلوسها حتى وصل إلى الحائط، فقط ليجري لأعلى علي الحائط ثم يدخل بين تلك الفتحات السوداء
كان يردد القرآن بشفاه تنتفض عندما بدأ يستوعب ما يحدث، ذلك الباب المنكمش لم يعد موجودا هناك. لم يعد للغرفة أبواب أصلا
الآن صارت كل جوانب الغرفة حوائط أعلاها يتآكل كضروس أكلها السوس منذ قرون ،لم يعد حوله مدخل للغرفة، وهو مايعني، لزيادة هلعه، أن لا مخارج أيضا
كان صديقه يعرض عليه درع حصل عليه جده كهدية من الملك عندما بدأ كل شئ، نظر للدرع الآن والذي وضعه صديقه على المائدة فبدا كأنه نافذة لعالم آخر. عالم ممتلئ بالحركة، وكأنه فتحة في سفينة فضاء تطل على اكوان مختلفة عن كوننا
لم يكن صديقه مرتبكا عندما تحطمت لوحة فوق الحائط وظهر خلفها كائن يصعب وصفه، كأنه رجل، قزم برأس عملاق، يشبه ذلك التمثال المشوه الذي صنعوه لصلاح ووضعوه في مدخل أحد التجمعات السياسية ليثير سخرية العالم، لكن ذلك القزم لم يثر سخريته، بل وبدا أن صديقه صاحب المنزل في حالة ارتباك يراها على وجهه لأول مرة منذ عرفه من أعوام طويلة
هنا فقط أدرك ما يحدث، أستغرق الأمر بضع دقائق والعديد من المناظر المفزعة وبعض آيات القرآن التي لم يدري أبدا إن كان يقرأها بشكل صحيح حتى أدرك أن ذلك المخلوق يحاول الاقتراب من صغيرته، التي ظلت تلعب في هدوء بتلك المكعبات الملونة وكأنها لم تفلت من يديها منذ لحظات فأر أسود حى! كان المخلوق يتقدم نحوها بينما يدفعه عبرس صديقه بعيدا عنها دون أن يتلامسا، أدرك في تلك اللحظة أن مايحدث ليس مجرد كابوس عابر يأمل أن ينتهي ككوابيس سابقة، بل هو خطر حقيقي على طفلته الوحيدة في منزل أقل مايقال عنه أنه قد تحول لقطعة من جحيم كتب الرعب
أدرك في تلك اللحظة أن ارتفاع صديقه في الهواء وذلك الشال الاسود الاحمر الذي انساب من رقبته للأرض كان جزء من حيلة دفاعية ما لدفع ذلك المخلوق الشيطاني بعيدا عنها
قرر أن يشارك في المعركة لمساعدة صديقه، رفع أول كرسي أمامه وهبط به بكل قوته ليحطمه على رأس ذلك المخلوق، فقط ليتناثر على الأرض - المخلوق لا الكرسي - قطع صغيرة، مخلوقات أبشع صارخة نتجت عن ضربه لذلك المخلوق، لكنها بدلا من استهداف ابنته تشتت حركتها في كل اتجاه, ظن ذلك نصرا شارك في صنعه
وهنا تحدث عبرس لأول مرة منذ بدأ ذلك الكابوس، صارخا بصوت بدا أكبر بكثير من جسده النحيل وهو يهبط إلى الأرض (ما الذي تفعله يا أحمق!؟)
قبل أن يبدأ في الرد لاحظ أن كل شئ بدأ في العودة مرة أخرى لما كان عليه قبل بدء الكابوس، كل شئ في مكانه كما لاحظه في لحظة دخوله الغرفة، الحوائط كما هى يغطيها ورق الحائط الوردي القديم، اللوحات الكابوسية المخملية والتماثيل المذهبة مختلفة الاشكال والالوان ، النوافذ الخشبية التي تبدو أكبر من الحياة نفسها حتى أنه يتسائل عمن كان آخر من فتحها وماذا رأى خلفها، ذلك "النيش" الضخم الذي يبدو وكأنه ما منح كلمة نيش معناها من كثرة النياشين والكؤوس والصور المعروضة داخله
فقط تفصيلتان أختلفتا عن لحظة بداية ذلك الكابوس
تمثال صغير متناثر على الارض تحت ثقل كرسي يبدو أن هناك من ألقاه عليه ليحطمه
وطفلته الصغيرة لم تكن هناك
كل ماشعر به من خوف أثناء الكابوس والعالم العجيب الذي سقط فيه لم يماثل جزء مما يشعر به الآن في عالم يبدو طبيعيا بدون ابنته، كان قلبه يرتجف والعرق البارد يظهر على وجهه وهو يحرك رأسه يمينا ويسارا بحثا عن ابنته ومتأملا في دهشة شكل المكان وتفاصيله التي لم تكون موجودة منذ لحظات
كان صديقا ينظر له في غضب واضح عاقدا ذراعيه في تحفز ليسأله، "ما الذي تظن نفسك فاعل؟ كيف تحطم تمثال صلاح بتلك الطريقة! أعلم أنك لا تحب الكرة ولا تحب ذلك التمثال لكنه كلفني ثروة"
هنا لم يدر كيف يرد، فقط تساءل في ذهول أين ذهبت "كارما"! ، بدت علامات عدم الفهم على وجه صديقه، "عن أى كارما تتحدث! ابنتك! وما الذي يأتي بها إلى هنا؟ لقد أتيت وحيدا، بل وأخبرتني أن أمها رفضت أن تأتي بها وحدك!".
زاد العرق والتوتر على وجهه وطاشت ضربات قلبه وهو يستعيد ذكرى دخوله لذلك المنزل وذلك الخادم الضخم أبيض الشعر الذي أستقبله عند البوابة الداخلية بنظرات يمكن تفسيرها على انها نظرات احتقار - لكنها لم تكن كذلك - حاول ان يتذكر إن كانت صغيرته قد دخلت معه، ولرعبه لم يستطع التذكر..
قاطعه صديقه في قلق مشوب بالفضول، أحمد، ما الذي دفعك لتحطيم ذلك التمثال، ولماذا تسأل عن ابنتك وهى لم تكن معك عندما أتيت منذ البداية
هَمّ أن يجيب عندما لمح ذلك الدرع اللامع العجيب معلقا على الحائط ويبدو من انعكاس الضوء عليه أن هناك اختلاف ما بين الضوء الأصفر الذي ملء الغرفة وتلك الخطوط اللامعة البيضاء المنعكسة على سطحه، أقترب منه أكثر لينظر ألى لمعانه متجاهلا صديقه ليكتشف أن مايعكسه الدرع يختلف تماما عما يحيط بهما
ألتفت ليجد صديقه عازما على الاقتراب منه بيدين مشعرتين ،شديدتا السواد وعينيه تلمعان تماما مثل لمعان عيون ذلك الفأر الذي كانت طفلته تحمله، تراجع في ارتباك ليصطدم بالدرع ،ربما كلمة اصطدام ليست هي المعبرة عما حدث، لقط سقط داخل الدرع وكأنها قفز في فجوة ما ليتغير العالم من حوله مرة أخرى ويتداعى كل شئ للحظة البداية.
No comments:
Post a Comment