كان ولا يزال اهتمامى المحدود بما يحدث فى فلسطين بشكل عام لأننى تعلمت أنها البوابة الشرقية لأمن مصر
دعك من الحديث الممطوط الذى يستخدم فى أغراض كثيرة عن المأساة ؟؟الإنسانية؟؟ هناك فيمكنك لو يممت وجهك شطر أفريقيا لوجدت مآس انسانية أفجع و أصعب و أهول مما يحدث على أرض فلسطين ... ستجد الألوف يموتون جوعا - فعليا وليس مجازا - كل يوم دون ذلك الكم الرهيب من الأموال و المساعدات و الاهتمام السياسى الذى يصل الى حد الدلع الذى يتدفق على الفلسطينيين أو الاسرائيليين على حد سواء
بل أنك لو استصعبت النظر الى أفريقيا السوداء و مآسيها البعيدة عنك جغرافيا و عقائديا فيمكنك أن تدخل أقرب سينما لتشاهد فيلم حين ميسرة لتعلم جزءا بسيطا ما يعانيه ملايين المصريين - أقول أذهب لتراهم فى السينما لأنك غالبا ما ستتأفف من رؤيتهم على الطبيعة فى كل مكان فى مصر من حولنا
و لكن لأنهم مصريين (( ولاد كلب فلاحين شحاتين و صعايدة معفنين )) - كما تقول أحدث أغنية راب خليجى تتحدث عن مصر بمنتهى الحب و التقدير لكل ما فعلته مصر و دفعته من أجل ؟؟؟أشقائها؟؟؟ العرب - لن يهتم بهم احد و لن تتدفق عليهم الهبات و المساعدات و لن تقوم جماعة الأخوان بالتهديد بهز مصر شمالها و جنوبها من أجل فك حصار الفقر و العشوائية عنهم
و لن تجد منهم من يدافع عن بقاء الوضع كما هو عليه كلما لاح فى الأفق أى حل ليسترضع مزيدا من النقود و التبرعات من أوروبا و الخليج و أمريكا نفسها و الدعم الاسلامى سليم النية أو سيئها
كنت - ولازلت - أتعاطف مع الفلسطينيين (الشعب المطحون) بوصفهم أخوة فى العروبة و الاسلام تذيقهم اسرائيل (عدو مصر الحقيقى) صنوف العذاب و الهوان لما لهم من صلابة فى الدفاع ... عن ماذا بالضبط ؟ لم أعد أعلم حقيقة فالآن يبدو أن الدفاع المستميت هو عن استمرار معدل الربح الذى يحصل عليه التجار و المنظمات داخل و خارج فلسطين
أعلم - على قدر علمى المحدود - كيف يتربح قادة الأنظمة العربية من مأساة الشعب الفلسطينى بان تظل هى مفتاح بقائهم على مقاعدهم و أعلم كيف يعيش الفلسطينيون الذين استطاعوا الهرب من فلسطين ملوكا فى الدول العربية و منها مصر
و لكننى فوجئت منذ أيام قليلة بذلك الخبر العجيب الذى زفه لى محمد الطاهر عن اقتحام حماس لحدود مصر متخفيين تحت ستار الجناح النسوى فى الحركة و اصابة 11 جندى مصرى ثم دخول نصف مليون فلسطينى الى أرض سيناء عنوة و رغما عن الجيش المصرى و استمرار المناوشات بين العابرين و الجنود نكاية فيه
لمرة من المرات النادرة أتعاطف مع مبارك فهو يبدو محاصرا من معارضة تعارض الأمر و نقيضه و لا يرضيها شئ و لو قام الجيش بمنع مرور غزاة 2008 الجوعى بالقوة لما سكت المصريون فى الداخل لما يرونه يحدث لأخوانهم على يد الجيش المصرى و لو تركهم يعبرون لما استطاع ارجاعهم مرة اخرى و لنا فى ما حدث و يحدث فى لبنان و الأردن درسا لا ينسى
شعرت بالغم و انا أشاهد بعينى بداية تحول سيناء الى مستعمرة جديدة تضع فيها اسرائيل رعاياها من الفلسطينيين الذين علمنا التاريخ ان نصفهم على الأقل عملاء لها و لكن قليلا من التفكير يوضح بعض أبعاد الصفقة التى تمت لأرضاء جميع الأطراف التى وجدت مصلحتها فى ما يحدث الآن عدا مصر بطبيعة الحال التى يبد انها ادمنت دفع ثمن أخطاء حكامها و أشقائها و أعدائها فى كل فترة
وجد الفلسطينيون "الغلابة" الذين يمتلكون من المال ما يكفى لشراء مصر بمن عليها ولا يستطيعون بسبب الحصار أرضا جديدة لغزوها و الاقامة بها بعيدا عن تنكيل اسرائيل و زحام غزة ... أرضا من المستحيل - عمليا - اخراجهم منها بدون الكثير من الابتزاز و الدم
وجد قادة عصابة حماس وسيلة لتفكيك و تخفيف الضغط عليهم ليظلوا فى السلطة مدة أطول و لتستمر حنفية الأموال مفتوحة لشراء و تكديس مزيد من الأسلحة التى تنطلق فقط فى اتجاه عصابة فتح و لاتخطئ أبدا لتتجه نحو العصابة اليهودية التى أصبحت دولة
حتى قادة الأخوان فى مصر و الذين لا تعد مصر بالنسبة لهم سوى مكان مثل غيره من الأماكن ( طظ فى مصر ) وجدوها وسيلة لمساعدة نموذجهم الأمثل الذى يعد نجاحه بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت فى البقاء فى السلطة و الحكم
و طبيعى ان المستفيد الأكبر من كل ما يحدث - كالعادة - هو اسرائيل ذاتها التى حققت مخططا استراتيجيا من مخططاتها بجعل سيناء مستودع لمشاكلها الفسطينية و احتلتها - أو فى طريقها الى ذلك - مرة أخرى بدون اطلاق رصاصة اسرائيلية واحدة
و فى النهاية حصلت مصر - كالعادة أيضا - على هديتها الجديدة و هى ليس فقط النصف مليون فلسطينى فى سيناء و لكن أيضا مباركة و مساندة أمريكا للتوريث الميمون الذى تبدو رائحته و قد فاحت و لم يعد هناك مجال للمراوغة فيه و الذى يبدو أننا لن نكون آخر الأجيال التى تدفع ثمنه