قلت من قبل أنني لا أرى الصراع في مصر إلا بين قوتين أساسيتين وحولهما أطراف أخرى تحاول الإستفادة من ذلك الصراع قدر المتاح وقوة ثالثة لا تزال في قيد التشكل - قوة غير منظمة وغير متحمسة للوصول للسلطة بنفس قدر القوتين الأخريتين
يبدو لي أن ذلك الصراع بين تلك القوتين هو الأساس حيث تسعى كل منهما للسيطرة منفردة على المجتمع والدولة - ولو وجدت أحداهما الفرصة لذلك لأقصت الأخرى وأنفردت بالسلطة دون تردد . بينما تبدو القوة الثالثة قوة وليدة تحمل عشوائية الأطفال ونزقهم تحاول أن تجد لنفسها قدم في المجتمع المصري
يبدو لي أن ذلك الصراع بين تلك القوتين هو الأساس حيث تسعى كل منهما للسيطرة منفردة على المجتمع والدولة - ولو وجدت أحداهما الفرصة لذلك لأقصت الأخرى وأنفردت بالسلطة دون تردد . بينما تبدو القوة الثالثة قوة وليدة تحمل عشوائية الأطفال ونزقهم تحاول أن تجد لنفسها قدم في المجتمع المصري
أتخيل المشهد كرقعة شطرنج ضخمة يجلس على طرفها سامي عنان - هو مجرد تمثيل لأحدى القوتين - وعلى الطرف الآخر خيرت الشاطر - هو أيضا مجرد تمثيل للقوة المنافسة - أو هكذا يراد لنا أن نتخيل ، وعلى الرقعة نفسها عشرات القطع التي يحركها كل منهما ضد الآخر .. تلك القطع تتراوح ما بين أحزاب بتوجهات مختلفة وصحف خاصة وقنوات فضائية وثوريين متحمسين وفلول متربصين وقضاة .. الخ
لا أستطيع أن أرى البرادعي ومن أتبع نهجه في الإنسحاب والمقاطعة لأى شئ وكل شئ إلا أشخاص على أفضل تقدير حسني النية - سذج بمعنى آخر - لم يفهموا حقيقة الصراع حتى الآن - لا أدعى أنني فهمته من البداية ولا أدعي أننه قد فهمت كل أبعاده بعد ولا أظنني سألم بها كلها يوما ما - وظن كل منهم أن الأمر موكل إليه بإصلاح كل شئ حسب هواه ورؤيته لمجرد أنه يريد ذلك دون فهم الواقع وتعقيداته وموازين القوى على الأرض
لم يرى البرادعي وكل من دعا "للدستور أولا" منذ عام في مستقبل مصر إلا أحلاما وردية كل ماتحتاجه للتحقق هو الرغبة في ذلك ولا أستطيع أن أرى ذلك إلا في إطار الجملة الخالدة ، الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة
الدستور أولا كان ليكتب بطريقة من ثلاث طرق ،
الأولى أن يتم إسناده إلى لجنة من الخبراء الدستوريين الذين يقومون بكتابة تحفة فنية دستورية فيها كل مايجعل الدستور عظيما بالمقاييس العالمية .. وثيقة تحفظ الحقوق للجميع وترسم شكل دولة رائعة عظيمة يظهر فيها الفصل بين السلطات واضحا ومحددا ،،، أظن أن هذه كانت ولاتزال رؤية البرادعي ومعظم من قالوا لا للتعديلات الدستورية ويالها من رؤية حالمة .. مشكلتها الوحيدة أنها لا تمت للواقع بصلة ، فهي رؤية تتناسى وجود قوى على الأرض ترى أن السماح بوجود تلك الحقوق هي بالضرورة خصما من حقوقها ، فالعسكر سيقاتلون من أجل دولة تحفظ نفوذهم الإجتماعي والسياسي ومصالحهم الإقتصادية والإسلاميين سيقاتلون من أجل دولة لا تسمح بحريات "أكثر من اللازم" وتكون خطوة على طريق الخلافة الجديدة
كانت تلك الرؤية "البريئة" تعبيرا صادقا عن آمال وطفولة تلك القوة الحديثة التي لاتزال قيد التشكل ولذلك فشلت فشلا ذريعا . حيث أتفقت القوتان الرئيسيتان العجوزتان - الإسلاميين والعسكر - على إجهاضها فورا وبحزم ورأينا تحالف - لا أظنه يتكرر كثيرا - بين "نعم" من أجل الإستقرار و "نعم" من أجل الشريعة
والحقيقة أيضا أن رؤية مثل تلك لم تكن لتنجح إلا لو كانت القوى الثالثة "المدنية" - التي يعد البرادعي أحد أشهر ممثليها - هي صاحبة السلطة الأعلى في الدولة والمجتمع وهو أمر غير منطقي بتاتا بعد 60 عاما من القمع العسكري ثلاثين منهم أضاف إلى القمع العسكري تعصب ديني وفقر وانسداد شرايين سياسية ، فلو كانت تلك الحقيقة على أرض الواقع لما أحتجنا للثورة أساسا
الطريقة الثانية لكتابة الدستور كانت تقضي بأن يقوم المجلس العسكري بتعيين لجنة لكتابة الدستور ، لجنة غير منتخبة تكتب دستورا يحافظ فعليا على سلطة العسكر وتعطي حريات شكلية واصلاحات سطحية بينما تعطي الاسلاميين جزء من السلطة وبعض مطالبهم بشأن أسلمة الدولة
وأظنها كانت الأسلوب الأمثل بالنسبة للمجلس العسكري لو كان يمتلك السلطة كاملة لكنه أراد أن يقيس قوة الاسلاميين الحقيقية في الشارع حتى لا يعطيهم أكثر مما يستحقون وفي نفس الوقت يقوم بإستنزافهم بأقصى قدر ممكن ولا يستفز القوة الجديدة التي كان لها الصوت الأعلى في ذلك الوقت
نفس الوضع بالنسبة للإسلاميين الذين لم يكونوا ليوافقوا على أن يقوم العسكر بكتابة دستور يعطيهم حقوقا محدودة دون أن يلتفت لمدى شعبيتهم في الشارع ، ولعل الكثير منهم أراد أن يعطي صفعة لتلك القوى الجديدة التي بدأت تظهر على الساحة لتنازعهم حقهم في الهيمنة على الشارع ,فهم يرون أنهم الأجدر وأن رسالتهم تحتم عليهم ألا يتركوا المجتمع والدولة لآخرين
الطريقة الثالثة لكتابة الدستور كانت تقضي بأن يقوم المصريون بإنتخاب لجنة تأسيسية لكتابة الدستور على غرار النموذج التونسي الذي نبالغ حقا في محاولة طبعه ، في الواقع كانت تلك الطريقة هي الأكثر ديمقراطية لكنها الأكثر خطرا على توازن القوى خاصة في فترة عدم الاستقرار التي ظهرت منذ بداية الثورة
كان الإنتخاب المباشر لجمعية تأسيسية مخاطرة لا يمكن للجيش أن يوافق على خوضها قبل أن يقيس مدى قوة الإسلاميين الحقيقية في الشارع حتى لاينزلق لنموذج إيراني لا يريده , كان من الممكن لإنتخابات جمعية تأسيسية لكتابة الدستور أن تؤدي لحصول القوى الإسلامية على نسبة أعلى حتى من النسبة التي حصلت عليها في الإستفتاء وهي 77% في نفس الوقت لم يكن الاسلاميون يرغبون في أن يتحد ضدهم القوتان الأخريتان واتهامهم بالسعى للسيطرة
لكل تلك الأسباب أتفقت القوتان الرئيسيتان على تأجيل الصدام بينهما وعلى أن تكون الإنتخابات أولا حتى تقيس كل منهما قوتها وحتى تهدأ الأوضاع المشتعلة في الشارع
رؤيتي الشخصية
لم أؤمن أبدا أن الوضع في مصر بعد الثورة أصبح وردي الصورة فجأة حتى يمكن أن نطالب بأن تكون كتابة الدستور منفصلة عن موازين القوى على الأرض
آمنت دائما أن وضع دستور أو قانون لا يعبر عن الواقع إنما هو لغم نزرعه تحت أقدامنا ليتفجر في المستقبل عندما يُسقط الواقع الدستور أو القانون ويتجاوزه أو لا يتعامل معه بجدية
كنت منذ عام ولازلت أرى أن الدعوة لكتابة الدستور قبل أى انتخابات هي دعوة
١- حالمة وغير ديمقراطية في نفس الوقت , تقصي المواطن المصري من المشاركة في العملية السياسية المعقدة بحجة أنها تعلم الأفضل له - بالتالي تقلل من فرص جره للجدل المهم حول المستقبل
٢- تعطي الفرصة للقوتين الرئيسيتين في مصر -العسكر والأخوان - أن يتفقا بالتراضي بينهما على خريطة تحكم بينما الصراع بينهما هو ما يعطي القوة الجديدة الوقت والخبرة حتى تتجذر في المجتمع وتصبح فاعلة وليس مفعول بها