Monday, November 19, 2012

رسالة للرئيس الطائفي


زار الرئيس محمد مرسي منذ توليه السلطة منذ شهور تعد على أصابع اليد الواحدة عدد ربما لم يقم بزيارته شيخاً جديداً للأزهر بعد تولي المشيخة, ألقى مرسي في كل مسجد صلّى فيه خطبة أو على الأقل قام بمناقشة الخطيب الذي قال خطبة يختلف معه فيها في الرأى

وهو بهذا أثبت أنه رئيس رائع يصلي بالناس ويحدثهم بلغتهم وربما يستمع لإعتراضاتهم على قراراته أحيانا ويتناقش فيها معهم وهو مالا أعتقد أن رئيس سابق له قد سبقه في ذلك

لكن - ودائما كلمة لكن تأتي لتمحو ماسبقها - هل "الناس" في مصر هم فقط المسلمون الذين يصلون الجمعة؟ هل يحق فقط للمسلمين امتياز مقابلة الرئيس صدفة والشكوى إليه والاستماع إلى خطبه ومناقشته في قراراته بعفوية؟
لم يقم مرسي خلال كل تلك الشهور بزيارة كنيسة واحدة ولم يحدث أن ألقى كلمة واحدة - من وسط عشرات الكلمات التي ألقاها - ووجهها للمصريين من غير المسلمين, لا أتحدث هنا عن زيارة مسجد للطريقة الصوفية أو استقبال وفد من الجالية اليهودية أو تصريحا يتحدث فيه بحرية العبادة والتعبير للملحدين, بل أتحدث عن المكون الديني الثاني من حيث الحجم والتأثير في المصريين

يقول البعض أنه كان مشغولا بأحداث غزة وقت حفل تنصيب البابا الجديد ولم يحضر ,, فأين كان طوال الشهور الماضية؟ هل لم يخطر على باله أن يقوم بزيارة مرتجلة لكنيسة أو دير للاستماع لمشاكل المسيحيين؟

يقولون أيضا أن الكنيسة لم ترسل له دعوة للحضور! وأكاد أجن من هذا التفسير! فهل أرسلت الكنيسة دعوة لرئيس الوزراء دونا عن الرئيس؟ وهل ينتظر رئيس الجمهورية دعوة للحضور أم أن الدعوة تكتب بشكل بروتوكولي - لايختلف عن كتابة خطاب السفراء - بناء على قراره المسبق بالحضور؟

يقولون إمعاناً في التبرير أنه لم يقم رئيس سابق بحضور حفل تنصيب البابا ،، هنا أسأل ومنذ متى كان لدينا رئيس سابق منتمي لجماعة متهمة بأنها راعية للإرهاب وداعمة للتطرف الديني؟ ومنذ متى كان لدينا رئيس سابق متهم بأنه طائفي يحابي المسلمين على حساب غيرهم؟ ومنذ متى كان لدينا رئيس يلقي خطبة جمعة كل أسبوع في مسجد مختلف؟ ومتى يدرك مبرراتية مرسي أن تبريراتهم مستفزة أكثر أحيانا من تصرفاته ذاتها!

متى يدرك الرئيس أن تجاهله للأقباط يعني أنه يكرّس الطائفية ويزكّي الإحساس بالإضطهاد لشريحة كبيرة من المجتمع كما يزكّي الإحساس بالتفوق الزائف لدى تيار يتشدق بأنه يجاهر بالكراهية والسخرية من شركائه في الوطن؟ وبالمناسبة فإن الشراكة في الوطن ليست أكليشيه محفوظ يقال في المناسبات العامة ،،، بل هو حقيقة وواقع لايمكن تجاوزه ولايمكن البناء على غيره

الكارثة أن يكون الرئيس مرسي غير مدرك لتأثير تصرفاته نحو غير المسلمين وما تتبعه من زيادة الشقاق الطائفي الموجود أصلا منذ تولي السادات "الرئيس المؤمن الأول" الحكم , كارثة أن يكون رئيس دولة بحجم مصر بكل مؤسساتها وتاريخها في التعايش المشترك غير مدرك لأهمية أن يكون رأس الدولة رئيسا لكل المصريين وليس رئيسا لطائفة أو طبقة أو فئة بعينها

كارثة أن يكون مرسي بقلة الوعي والذكاء حتى أنه ألا يدرك أهمية القاعدة الميكيافيلية الصحيحة من أنه ليس المهم مايؤمن به الحاكم ولكن المهم مايظهره لمحكوميه ،، فعبدالناصر على سبيل المثال استطاع بذكاء شديد أخفاء كونه رئيسا عسكريا يمثل فئة الضباط واستطاع اقناع المصريين بأنه رئيس الجميع رغم تمكنه من تمكين ضباط الجيش من كل مفاصل الدولة, بينما فشل جمال مبارك في أن يحوذ شرعية الحكم قبل أن يحوذ الحكم نفسه لإن المصريين بشكل ما أدركوا أنه لايمثل الجميع وانما يمثل طبقة بعينها هي طبقة الأغنياء شديدي الثراء فقط

هي كارثة بكل المقاييس أن يقود مرسي الدولة نحو صراع طائفي دون أن يدرك ولكن الكارثة الأكبر هي أن يكون ذلك عن وعى تام وادراك لما يفعله وهو الأرجح

صعب أن أقتنع أن سياسي داهية أدار أكبر حزب في مصر لايعلم تأثير توجهه السياسي الطائفي على أحوال البلد

فتكون الكارثة أنه يعلم مايفعله ويستمر فيه!

انها جريمة ترتقي لمرتبة الخيانة العظمى أن تشعل نيران الفتنة الطائفية في وطن أنت مسئول عنه لمجرد الحفاظ على تحالف انتخابي مع تيار متشدد يرفض أن تزور كنيسة زرتها بالفعل قبل ان تصبح رئيسا للجمهورية! تحالف انتخابي لن يدوم لحظة واحدة لو دخلت البلاد في أزمة طائفية حقيقية تتجاوز المقابلات والتصريحات وتهدم نظاماً لم يبنى بعد نحاول جعله ديمقراطياً ممثلاُ للجميع وتسعى ويسعى شركاؤك أن يكون نظاماً طائفياً لايكترث سوى لطائفة واحدة من طوائف المجتمع بدعوى أنها صاحبة الأغلبية!

سيدي الرئيس أنت تشعل الوطن فإما إنك غير مدرك لعواقب ما تفعل فهي كارثة الجهل وإما إنك مدرك ولاتزال مستمرا على نهجك للحفاظ على كرسيك ونفوذ جماعتك وهي كارثة أكبر وجريمة لاتقل عن جريمة نظام الأسد في سوريا أو الطائفيين في لبنان والعراق والسودان

سيدي الرئيس , الطريق لم ينتهي بعد ودائما مايمكنك أن تبدأ بداية جديدة، يمكنك أن تعلن بشكل واضح - في خطاب تلفزيوني من خطاباتك المتعددة - أنك ترفض التفرقة الطائفية وأن المواطنين المصريين غير المسلمين - لا أقول غير الأخوان - مواطنين كاملي الأهلية والحقوق وأن تبدأ في تبني قوانين لتجريم التمييز الطائفي والتي لا يمكن تأجيلها بدعوى صعوبة التنفيذ كما يحدث مع قوانين العدالة الإجتماعية والأجور وصدقني وقتها سيلتف حولك كل المصريين حتى لو خسرت أولئك المتطرفين الذين يدفعون بك وبالبلاد من خلفك لحافة الصدام الطائفي الذي قد يفتح الباب لفتنة تصيب النسيج الوطني المصري بجرح غائر


مقالات ذات صلة


خطة شعبية للطريق
http://bad-way.blogspot.com/2012/08/blog-post_19.html


مع الرئيس المنتخب ضد المجلس العسكري وقضاؤه المسيس
http://bad-way.blogspot.com/2012/07/blog-post_9.html

قصة حياتي يوم اعلان مرسي رئيسا
http://bad-way.blogspot.com/2012/06/blog-post_9970.html

قل الدولة الطائفية ولا تقل الدولة الدينية
http://bad-way.blogspot.com/2011/10/blog-post_23.html

نهاية الاسلام السياسي في مصر
http://bad-way.blogspot.com/2012/07/blog-post_31.html


التيار العلماني أحسن ولا الاسلامي؟ .. مصر القوية
http://bad-way.blogspot.com/2012/11/blog-post_11.html

النظام
http://bad-way.blogspot.com/2012/06/blog-post_08.html

كيف نسقط النظام؟
http://bad-way.blogspot.com/2012/06/blog-post_17.html


التوافقيين والتصادميين في الرئاسة المصرية
http://bad-way.blogspot.com/2012/04/blog-post_08.html

مائة سبب لإنتخاب أبوالفتوح
http://bad-way.blogspot.com/2012/05/blog-post_20.html

ليه ليبرالي يدعم أبوالفتوح؟
http://bad-way.blogspot.com/2012/03/blog-post_7277.html

أخطاء عبد المنعم أبوالفتوح
http://bad-way.blogspot.com/2012/04/blog-post_18.html

ماذا لو أصبح عمرو موسى رئيسا لمصر؟
http://bad-way.blogspot.com/2012/04/blog-post_28.html


عزيزي الناصري بشرطة , أقبل توبتك
http://bad-way.blogspot.com/2012/05/blog-post.html


الوهم الاسلامي الجديد - قراءة في مصطلحات المرحلة
http://bad-way.blogspot.com/2012/11/blog-post.html

الرد المتين على حجة المادة 89
http://bad-way.blogspot.com/2012/02/89.html

مين أحمد بدوي؟ مرشحكم للرئاسة رمز المسخرة
http://bad-way.blogspot.com/2012/02/blog-post_5403.html

شرعية التظاهر ضد شفيق مرشحا ورئيس
http://bad-way.blogspot.com/2012/06/blog-post_6599.html

المائة يوم الأولى من حكم الفريق شفيق
http://bad-way.blogspot.com/2012/05/blog-post_19.html

خواطر عن الثورة في عهد الرئيس شفيق
http://bad-way.blogspot.com/2012/05/blog-post_31.html

الدوجما العلمانية وأصول الفشل
http://bad-way.blogspot.com/2012/11/blog-post_13.html

ثوار الموضة وموضة الثورة
http://bad-way.blogspot.com/2012/06/blog-post_15.html

معركة فشل خالد علي
http://bad-way.blogspot.com/2012/04/blog-post_5192.html

المثقف والعولمة واسرائيل
http://bad-way.blogspot.com/2012/08/blog-post_20.html

مناقشة عن الليبراليين في مصر
http://bad-way.blogspot.com/2012/07/blog-post_18.html

عزيزي العلماني , عزيزي الإسلامي بطلوا أفورة
http://bad-way.blogspot.com/2012/07/blog-post_9998.html

خواطر عن الاسلاميين واليساريين والليبراليين
http://bad-way.blogspot.com/2012/06/blog-post_6394.html

بين أرض الواقع والفضاء التنظيري
http://bad-way.blogspot.com/2012/03/blog-post.html


1 comment:

Heba said...

مقال رائع يا احمد، وفعلا نظرة موضوعية لتصرف ممكن يكون له ابعاد كارثية. ياريت بس الكلام يوصل ويكون له صدى عند الناس المحيطة بالرئيس