المقال التالي تحليل لحالة الهيام التي نرى ظهورها في أوساط معظم المصريين نحو قائد المؤسسة العسكرية - الفريق السيسي , وأنا اذ أوافق على تلك الأسباب المذكورة في المقال أضيف اليها أنه قد تم تهميش بعمد العديد من القيادات السياسية ذات الخيال السياسي القادر على التوصل لتسوية سياسية لأزمة شرعية الحكم المستمرة منذ عدم اعتراف القوى العلمانية بشرعية الصندوق الانتخابي وذلك سواء للمزيد من اشعال الموقف والانتقام المتبادل بين جميع الأطراف
كما أضيف أنه رغم حالة الهيام التي يحياها المصريون نحو قائد الجناح العسكري للنظام الحاكم فإن كونه قائد عسكريا يفرض عليه عدم خيانة الأمانة التي حملها له ملايين المصريين وألا يسعى للإنفراد بالسلطة بأى حال من الأحوال - السلطة المطلقة مفسدة مطلقة - وعليه أيضا أن يسعى في اتجاه الحل السياسي للأزمة تفاديا لمصير مظلم ينتظرها لو وصل الصراع السياسي لمراحل جديدة من التسليح والعنف
أعذرني لكنني لا أستطيع أن أصدق أن جميع الأجهزة الأمنية في الدولة لا تستطيع تحديد المسلحين فردا فردا - في كل تيار سياسي أو شعبي - وأنها تمتلك ملفا كامل عن كل مسلح
السؤال هنا هو لماذا تقوم الدولة بترك المسلحين دون القبض عليهم؟ هل لإيهام الرأى العام بأن كل الاسلاميين مسلحين وأنهم يخططون لهدم الدولة وأن ذلك مبرر للعنف ضدهم؟
أطالب محبوب الملايين الآن - الفريق عبد الفتاح السيسي - بأن يلبي نداء المصريين له وأن يبر بالقسم الذي أقسمه وأن يحمي البلاد من شبح حرب أهلية سوف يكون هو المسئول الأول عن قيامها لو قامت الآن
تفويض بالقيادة
لماذا خرج الجمهور ليعطى تفويضه للقائد العام للقوات المسلحة فى 26 يوليو الماضى؟ الإجابة المباشرة أن الناس أعطت التفويض فى الأمر الذى طلبه القائد العام. هو طلب تفويض لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل، والناس لبت نداءه. هناك إجابة أكثر تركيباً. لا القائد العام قصد هذا بالضبط، ولا الناس استجابت للدعوة على أساس ما يعنيه منطوقها المحدد (أى مواجهة العنف المحتمل). هناك لغة خفية فى حوار القائد العام مع الجمهور. لغة هو قصدها، والجمهور فهمها.
القائد العام هو أول شخصية سياسية تقيم علاقة مباشرة مع الجمهور المصرى منذ عقود طويلة. هو نسج خيوط تلك العلاقة بأناة عبر عام كامل. بالإيحاء تارةً، وبالتصريح تارةً، وبالرجاء مرة ثالثة. للعلاقة مع الجماهير أسرار وشفرة خاصة. الرئيس مبارك ـ مثلاًـ لم يجرب أن يقيم هذه العلاقة إلا قبل أيام من تنحيه. كان ذلك عندما قال إنه لم يكن ينتوى الترشح لانتخابات الرئاسة، وأن مصر هى وطنه كما هى وطن كل مصرى ومصرية، فيه عاش وحارب وعلى أرضه يموت. كانت تلك هى المرة الأولى التى يجرب فيها مبارك إقامة علاقة من هذا النوع مع الجمهور. علاقة مباشرة بين القائد والشعب. فيها بعض من الإنسانية. فيها إقرار بأن السلطة مستمدة من الناس. فيها رجاء وطلب مباشر وعرض صادق للحال.
اليوم يجرب القائد العام هذه العلاقة المباشرة. ما كان يطلبه فعلياً من الجمهور هو «تفويض بالقيادة». قيادة المسار الذى حركه فى 3 يوليو، وحتى تصل السفينة لمرفئ آمن. هو رجا الناس أن يمنحوه الثقة. أن يقبلوا أن يكون له سلطة لإدارة المسار.
«تفويض القيادة» الذى منحه الجمهور للقائد العام فى 26 يوليو الماضى ليس انعكاساً للعلاقة المباشرة التى نسجها مع الشعب فحسب. هذا جانب واحد للمسألة. الجمهور ظل يبحث طوال العامين الماضيين عن قيادة. علق أمله على البعض، ثم خاب الأمل. راهن على البعض وخسر الرهان. راقب الساحة فى تطلع وانتظار، فإذا هى خاوية على عروشها. «تفويض القيادة» هو انعكاس لهذا اليأس الكامل فى أن تفرز النخبة السياسية المصرية قيادة قادرة. حالة العطش للقيادة تجلت فى هذه الحُمى التى تشهدها مصر هذه الأيام. هذا الانبهار الجارف بالقائد العام. إنه انبهار صادق وعفوى ومفعمُ بالأمل، ولكنه أيضاً وليد خيبة الأمل فى الآخرين.
القائد العام فعل شيئاً لم يفعله سياسى آخر منذ فبراير2011: تحمل المسؤولية. أغلب الكوارث التى حلت بهذا البلد عبر أكثر من عامين جاءت نتيجة مباشرة للتنصل من المسؤولية. ساهمت قوى متعددة فى إسقاط مبارك. أغلبها تنصل من المسؤولية. لم تدرك هذه القوى أن سقوط مبارك يفرض مسؤولية مضاعفة. بعضهم اكتفى بأن يكرر: «ما هكذا تُدار الأوطان». أكثرهم استراح للتوك شو. أخذوا الجمهور إلى معارك وهمية افتعلوها لإرضاء ذواتهم المتضخمة. كانوا دائماً مع القضية الخطأ فى الوقت الخطأ. أوصلوا البلاد فى النهاية إلى محمد مرسى. ظل الجمهور يرقب كل هذا فى حسرة، ولكنه كان يسجل ويرصد.
بخلاف المسؤولية، لمس الجمهور شيئاً آخر فى نداء القائد العام: القدرة على المبادرة وامتلاك الزمام. هذا معنى غاب بدوره طوال العامين الماضيين. المجلس العسكرى كان يدير البلاد بسياسة رد الفعل. خصوم المجلس العسكرى كانوا أسوأ منه وأضل سبيلاً. الإخوان تركوا سفينة الوطن تتقاذفها الرياح. عجزوا عن التوجيه فى أى اتجاه كان. فقدوا زمام المبادرة.
المبادرة معنى غائب عن المجتمع والسياسة المصرية. نظام مبارك مسؤول إلى حد بعيد عن هذا الغياب. دولة مبارك كانت دولة رد الفعل. دولة تعالج المشاكل عندما تظهر. لا تبادر لأن المبادرة ـ فى أى اتجاه ـ لها تكلفة، وتفرض مخاطرة ومجازفة. هذا القائد العام الشاب (بمقاييس السياسة المصرية هو فى ريعان شبابه!) أخذ المبادرة فى 3 يوليو. أخذ المبادرة مجدداً فى خطابه فى 24 يوليو، الذى دعا الناس فيه للتظاهر. قال: «إحنا مش ح نستنى لما يبقى فيه مشكلة كبيرة وبعدين نقول ليه حصل كده». هذا هو أبسط معانى المبادرة. مرة ثانية، الناس كانت متعطشة لهذا النوع من الإدارة للموقف.
تحمل المسؤولية والمبادرة والعلاقة المباشرة مع الناس هى الأسباب العميقة التى دفعت الجمهور لتلبية دعوة القائد العام وتفويضه بالقيادة. لستُ سعيداً بأن تكون القيادة الوحيدة فى مصر اليوم هى «القائد العام للقوات المسلحة». هذا موت إكلينيكى للسياسة فى بلدنا. هذا ـ بالقطع ـ دليل فشل وعنوان عجز النخبة السياسية بجميع أطيافها. التيار المدنى قبل الإخوان المسلمين. كانت هناك فرصة، ولكن الجميع أبى إلا أن يبددها بإصرار غريب، ولسان حالهم ما قال الشاعر: «أُعطيتُ ملكاً فلم أحسن سياسته.. وكل من لا يسوس المُلك يُنزَعهُ»!
جمال أبوالحسن
المصري اليوم
No comments:
Post a Comment