عندما أتوجه بخطابي للفريق السيسي فأنه يقع
في روعي أنني أخاطب شخصا يمثل بدرجة كبيرة ارادة الأمة المصرية ويحدد بشكل كبير
مستقبلها
الفريق السيسي على حد علمي كان مسئولا عن أحد
أهم اعصاب النظام المصري الحاكم - الذي أسسه محمد علي باشا وجدد شبابه الرئيس عبد
الناصر بتحويله من نظام ملكي لجمهوري , وهي ليست المرة الأولى التي يحكم النظام
الجمهوري مصر فكان هناك فترات حكم جمهورية قصيرة المدد ابان العهد الفرعوني المصري
– حيث رأس المخابرات الحربية المصرية ثم كان عضوا بالمجلس العسكري الذي حكم مصر
لعامين بعد انقاذه للبلاد من حرب أهلية كادت تشتعل لو تمسك الرئيس السابق مبارك
بمنصبه رغما عن ارادة جزء كبير من الشعب المصري ثم صار وزيرا للدفاع لمدة عام – نعلم
أنه جدد شباب القوات المسلحة أثناؤه – تحت سلطة الرئيس محمد مرسي المنتخب من الشعب
انتخاب حر مباشر
نعلم جميعا على مختلف انتماءاتنا أن النظام
الحاكم لمصر هو نظام ثنائي (مدني\عسكري ) حيث للجيش جهاز اداري ومؤسسات خدمية تعادل
تقريبا نصف مؤسسات الدولة المصرية ويعمل بشكل مستقل عنها رغم خضوعه لسلطة رئيس
الدولة - المدني من أصل عسكري عادة - حسبما تنص التقاليد التي سنها الزعيم
عبدالناصر واستمرت بعد وفاته, ونعلم جميعا أهمية الجيش المصري من كونه المؤسسة
الأكثر تقدما وتطورا في مؤسسات الدولة , ليس فقط لحصوله على أعلى التكنولوجيات
وضرورة تطويره المستمر للتعامل معها بشكل احترافي ولكن لكونه المؤسسة الأكبر في
دمج شباب المصريين في نسيج واحد يعلمهم الترابط كأبناء أمة واحدة بغض النظر عن
طوائفهم الدينية ومستوياتهم الاجتماعية وأصولهم الجغرافية المتنوعة
نرى الآن تلك الأزمة التي تكاد تنهي
الاستقرار في مصر لعشر سنوات قادمة أو أكثر , هذا ان لم تتصاعد وتتشعب حتى تصل بنا
إلى حرب أهلية تشابه مايحدث في سوريا أو لبنان
دولة بحجم وتاريخ مصر – أقدم دولة مركزية في
التاريخ وبحكم ذاتي مستقل لألفي عام كاملة – وبتعداد سكان يكاد يصل للملئة مليون
مواطن وبثقافة متنوعة تنوعا يعجز الدارس التقليدي عن الاحاطة به حيث لا نجد في
ثقافتنا فقط المكون الفرعوني والقبطي والاسلامي بل نجد أيضا المكون النوبي والمكون
الأفريقي والمكون العربي والمكون الأورومتوسطي والشرق أوسطي والريفي والبدوي
والصناعي والساحلي
لا يجب ولا يمكن أن ندع مصر العظيمة لكى تصل
لمرحلة اقتتال داخلي يدمر الأخضر واليابس ويترك في كل بيت جراحا لا تندمل ويشق مفهوم
الأمة الواحدة بشكل خطير لا يستفيد منه سوى أعدائها في الخارج والداخل
نعلم أن ملايين – نختلف في عددها ولكن نتفق
أنها لا تقل عن نصف مليون ولا تزيد عن خمسة – لا زالت تتعلق بجماعة الأخوان
والتيار السلفي وتعتبرهم المكون الأكبر لنسيجها المجتمعي
ونعلم أن تلك الملايين من الاسلاميين
ومؤيديهم وأقربائهم يشكلون أزمة حقيقية للمشروع القومي المصري نظرا لضعف ايمانهم
بفكرة القومية الوطنية وتمسكهم بدرجات مختلفة بفكرة القومية الدينية
إعلان فشل الدولة القومية في التعامل مع عدد –
قل أو كثر - من مواطنيها لأسباب تتعلق بثقافتهم المختلفة مع ثقافة بقية الشعب يعد
كارثة من كل النواحي المجتمعية والاقتصادية والعسكرية والأمنية
واقصاء عدد كبير من المواطنين من العملية
السياسية ومن حقهم في التعبير والمشاركة السياسية يعد المفتاح النازي لجهنم تفتح
أبوابها لتخرج آلاف الاستشهاديين الذين يرون في النظام والدولة والمجتمع عدو يجب
القضاء عليه أو الفناء أثناء المحاولة
ربما لا يكون ذلك واضحا للمنطق العسكري
الهندسي في الادارة حيث يجب على الأفراد طاعة القائد - حماية لهم قبل أى شئ آخر –
لكن في مجال الفعل السياسي يجب أن يكون واضحا للجميع أن الاقصاء يولد اقصاء مضاد ,
فعندما تمنع ذلك الداعية من الخطابة فسوف تجد خطبه بين يدى الناس أكثر مما كان
يقولها من فوق المنبر
يعتصم الآلاف من مؤيدين الرئيس المعزول محمد
مرسي في رابعة العدوية وغيرها من الميادين مطالبين بعودته – ليس ذلك فقط, بل ويهددون
صراحة أنهم لن يغادروا أماكنهم إلا منتصرين أو شهداء – بينما بدأ باقي المصريون في
التململ من حالة عدم الاستقرار الحادثة بعدما نزلوا جميعا يوم 30 يونيو للاحتفال
بنهاية حالة الثورة والفوران السياسي وبدء مرحلة البناء والعمل وحصاد ثمار ما فات
أو عودة الأمور لمجاريها
تم تحميل الأخوان المسلمين جميع أخطاء وخطايا
المجتمع والدولة المصرية رغم كونهم أقلية لم تمتلك أدوات الحكم سوى لفترة قصيرة لم
تكن خبرتها فيها كافية للتطور وتلبية احتياجات المصريين, أخطاؤهم كانت قاتلة
ومستفزة وأفكارهم كانت ولا تزال خطيرة على الوحدة الوطنية المصرية قبل أى شئ آخر ,
لكنهم لا يزالون مواطنون مصريون على الدولة وعلى المسئول الأول فيها – الآن هو
الفريق عبد الفتاح السيسي – أن يحافظ على حقوقهم ويعاملهم بما يليق بأى مواطن مصري
حاول أن يفيد مجتمعه , استيعابهم في العملية السياسية هو الحل لا اقصائهم منها
ومعاملتهم كأعداء
شخصيا هتفت بسقوط محمد مرسي في 30 يونيو – بل
سببته علنا لعدم اعلانه التنحي في آخر خطاب له والذي قبله – وذهبت في مسيرات
وفاعليات يوم 30 يونيو ولكن أسقط في يدي عندما فوجئت بعودة المستشار عبد المجيد
محمود للنيابة العامة وبالفرحة العارمة لرموز النظام المباركي والمستفيدين منه
وعندما وجدت أن التيار الاسلامي قد فقد بقدرة قادر كل ما قاتل من أجله ثمانون عاما
– لا أعني بذلك السلطة والحكم فقط – بل حق التواجد بين الجماهير والاعتراف بحق
أعضاؤه في التعبير عن أفكارهم السياسية علنا
لا يخفى على أحد أن أفراد التيار الاسلامي –
ولست منهم يقينا – يعيشون أسوأ لحظات عمرهم , فبعد أن انتخبهم الشعب ليحكموه
صار يحاصرهم ويقاطعهم ويلفظهم بشكل متزايد
. حتى صار هناك فسطاطين , فسطاط اسلامي يجتمع على الشرعية – أصبحت شرعية مرسي هو
آخر ما يضمن للتيار الاسلامي الوجود على الساحة السياسية - وفسطاط علماني يجتمع
على كراهية التيار الاسلامي وتحقير رموزه والتسفيه من اسهاماته الثقافية
والمجتمعية في مصر
ذلك الوضع الكارثي ينبأ بموجة بشعة من
الارهاب , فالمواطن الذي تسقطه الدولة من قوانينها يصبح خارج عن القانون (لو رأينا
الدولة تؤمن مقرات الأخوان واعتصاماتهم لما وجد حاملي السلاح مكانا لهم وسط
الاسلاميين), أما المواطن الذي تلاحقه الدولة لمنعه من نشر أفكاره فسوف يتحول
لمناضل دفاعا عن أفكاره , بينما الانسان الذي يرفض المجتمع مشروعه الفكري ويلفظه
وتعاقبه الدولة على جريمة لم يرتكبها بنفسه بينما تغض النظر عن مرتكبي نفس الجريمة
من تيارات فكرية أخرى فهو المادة الخام للارهابي
الارهابي هو شخص يوجه أفكاره وطاقته لهدم
المجتمع بدلا من اصلاحه – وهو الفارق الأساسي بين الأخواني أو التنويري الذي يسعى
لتغيير أخلاق الناس أوأفكارهم وبين الجهادي "الأناركي" الذي يرى ضرورة
هدم الدولة واسقاط المجتمع وبناءه من جديد على قواعد جديدة
كمية الأسلحة في مصر, تداخل الاسلاميين في
النسيج المجتمعي المصري (أحد الاسلاميين الذين استشهدوا في موقعة الحرس الجمهوري –
لاحظ كارثية أرتباط المذابح بالجيش
ومايمثله ذلك من انتكاسة لجهود رفع الروح القومية لدى المصريين- أخوه ضابط
شرطة) , عدد الأجهزة المخابراتية والحركات المسلحة التي ستجد في حالة الاقتتال
الأهلي في مصر مرتعا لها يعد مرعبا بكل المقاييس
ان قمع آلاف الاسلاميين في رمضان لن يؤدي إلا
إلى كارثة تهدد السلم الاجتماعي في مصر وتركهم بدون حل سياسي يسقط كل مجهودات رفع
الروح المعنوية والقومية لدى المصريين ويشيع الاحباط ويعطل الاستقرار والنهضة
الاقتصادية ولذلك فلا بديل إلا عن التفاهم معهم واستيعابهم
لا أتحدث عن التفاوض – فهو أمر يجري بين
القيادات والرموز والنخب – وانما أتحدث عن التفاهم المشترك بين الطرفين
يجب على الدولة أن تبذل قصارى جهدها في
التواصل مع المعتصمين الاسلاميين وفي دمجهم مع مختلف فئات المجتمع الأخرى ,
تباكينا كثيرا جدا على الجهل الذي يتفشى في ربوع مصر ويستغله الاسلاميين للفوز في
الانتخابات, فإذا بنخبة التيار الاسلامي تجتمع في ميدان رابعة وميادين أخرى , ونحن
لا نحاول التواصل معهم والتفاهم بشكل مباشر , بل نستمر في السخرية والتحريض والحشد
ضدهم , يجب تشجيع المثقفين والتنويريين المصريين على التواجد وسط معتصمين التيار
الاسلامي والحوار معهم , يجب تشجيع الفنانين والرموز الثقافية على النزول
لاعتصامات الاسلاميين والاختلاط بهم
لو استطاع المجتمع المصري أن يتصالح مع أحد
مكوناته – وهي التيار الاسلامي – وأن يدمجه في العملية السياسية السلمية المبنية
على قواعد واضحة يرتضيها الجميع فإن ذلك سوف يكون نقلة مبهرة للأمام سواء من حيث
صورتنا بالخارج أو استقرارنا السياسي والأمني , وسوف تحسب بالطبع لقائد السفينة
الذي أخرجها من العاصفة بلا خسائر
تطمين المصريين المنتمين للتيار الاسلامي
وتطمين المصريين الخائفين منهم يؤدي فقط لحالة من الفرحة الحقيقية للمجتمع المصري
يمكن أن تكون بداية بناء مجتمع عصري حديث يقوم بالمشاركة في بناءه جميع أبناءه
وتياراته الفكرية
ظل الاسلاميون في حالة قمع منذ اغتيال زعيمهم
حسن البنا حتى الآن وهم في حالة خوف حقيقية من عودة تلك الحياة غير الآمنة غير
الكريمة ان هم تركوا الميادين التي يعتصمون بها ولذلك فقد حان الوقت ليتصالح
المجتمع المصري مع جزء منه وهو التيار الاسلامي
حان الوقت لتصبح ميادين مصر برلمانات مفتوحة لصنع
القرار بدلا من أن تكون ساحات للقتال واراقة الدماء (مع الاحتفاظ للدولة بحق ادارة
بعض شئونها بدون تدخل من الشعب إلى حين نضج الشعب سياسيا وديمقراطيا)
حان الوقت ليعترف جميع السياسيين المصريون أن
ادارة دولة بحجم مصر ومجتمع بتنوع المجتمع المصري وتعقيداته لن يكون أمرا سهلا
يتفرد به تيار فكري دون آخر, بل هو أمر قائم على الخبرة والابتكار أكثر بكثير مما
يقوم على الأفكار السياسية المجردة
-
على الدولة أن تعلن أن جميع المعتصمين في حمايتها وأن
حقهم في الحياة والتعبير عن الرأى مصون لايمس ويجب على الشرطة التواجد بأماكن
الاعتصام لحراسته بصفتها جهاز مدني غير مسيس
-
على الدولة أن تمنع التحريض الاعلامي – من كل الاتجاهات - بشكل صارم لما يسببه من احتقان يمكن أن يشعل الوضع أو يساهم في مزيد من الغضب
وعليها أن تعيد فتح القنوات الاسلامية التي تم غلقها مع تطبيق قواعد حظر التحريض
الاعلامي عليهم أسوة بغيرهم من القنوات
-
على الدولة أن تفتح الباب للحوار بين القوى السياسية
والشعبية والتيار الاسلامي ولو دعت وزارة الثقافة المثقفين المصريين للتواجد
بميادين اعتصام الاسلاميين والتحاور المباشر معهم
-
على الدولة أن توجه أجهزة النيابة للتعامل بحيادية مع كل
المتهمين وألا يكون هناك أى تمييز على أساس سياسي أو عقائدي
-
على الدولة أن تقدم اعتذار لمواطنيها عن كل أخطاء الفترة
الماضية وأن تعترف بأن الجميع سواسية أمام القانون
أعتقد ياسيادة الفريق أن هذه بعض المقترحات
التي قد تفيد في تخفيف حالة الاحتقان بين الاسلاميين والدولة تمهيدا لحل الأزمة
بالكامل بشكل يحفظ لمصر سيادتها ووحدتها وديمقراطيتها الوليدة ولا تزال هناك عشرات
الأفكار التي يمكن أن تفيد إن كانت النية حقا هى رأب الصدع الوطني وتجاوز أخطاء
الماضي ودمج جميع المواطنين في عملية سياسية لا يتدخل فيها الجيش بنفسه وان شارك
في وضع قواعدها وحماية آليات تنفيذها
No comments:
Post a Comment