Tuesday, February 12, 2013

فرجاني - آخر الرجال المحترمين





عن الانسان فرجاني

فيلم آخر الرجال المحترمين تحفة سينمائية في مذهب السعى للكمال .. درس في كيفية أن تكون انسانا خلاقا مبدعا مصدر سلام وانسانية ورحمة لكل من حولك .. تشفق على أهل الفتاة ثم تشفق على السيدة التي اختطفتها .. تشفق على المجتمع وتسعى لتصحيح مساره .. الفيلم رسالة تخبرك كيف يمكن ان تضمد جراح الآخرين
يتجول بنا الفيلم صعودا وهبوطا بين العديد من الطبقات الاجتماعية المصرية , يتجول بنا بين العشوائيات والريف والزمالك لنرى مساكن وملابس كل طبقة وهمومها واساليب تفكيرها وحواراتها الداخلية وحواراتها مع الغرباء ....


لا يهتم ضابط الشرطة في البداية بطفلة مختطفة , فهي مجرد طفلة - علم من شكل نور الشريف الذي يسأل عنها - من أسرة فقيرة أو متوسطة لن يثير اختطافها اهتمام أحد , قطعا مقدار اهتمام الدولة بمواطنيها يرتبط بشكل مباشر بالطبقة الإجتماعية التي ينتمون إليها

نرى في أحد المشاهد الضابط يقف امام شقة السيدة التي اختطفت الفتاة ويرفض اقتحامها دون اذن نيابة , بينما نراه في مشهد آخر يفتش بيوت الغجر ويلقي القبض عليهم دون أن يسأله أحد عن اذن نيابة .. ان التباين بين من لحياتهم حرمة ومن ليس لهم سوى الاحتقار يبدو شديد التطابق مع الواقع حتى أنه لا يلفت انتباهنا من فرط طبيعيته

يسأل الضابط الرجل الغجري "ازاى صرفت 500 جنيه في يوم؟" لم يكن الضابط ليسأله ذلك السؤال لو أنه كان ممن ينفقون بالفعل 500 جنيه كل يوم

ذلك السؤال لم يكن عن النقود بل عن كيف يمكن لحقير أن ينفقه .. وهو بالمناسبة حقير لإنه مجرم وهو مجرم أيضا لإنه حقير , هو شخص يمارس تجارة البشر - وصفها فرجاني بالنخاسة – دون ان يهتم بشئ سوى النقود ,, فقط اسأل نفسك .. هل لو توافر مصدر رزق انساني وتعليم لذلك "النخاس" هل كان سيصير كذلك؟

نسمع الجندي يدفع النخاس الى السجن مصحوبا بعبارة "يلا يا أشر خلق الله" .. يعلم المخرج أو المؤلف أن قول تلك الجملة في ذلك الموقف أمر غير واقعي بالمرة ,, الشرطي الحقيقي يمر عليه مئات الجرائم وعشرات المجرمين كل شهر. ولابد أن منهم من قام بأفعال أشد حقارة من اختطاف الأطفال, ولابد أن الشرطي يعلم ذلك وبالتالي ليس من الواقعي ان يصف مجرما بأنه "أشر خلق الله" هي رسالة من المخرج أو المؤلف اراد ان يوصلها وسط الكلام ,, النخاس هو أشر خلق الله .. الذي يتحكم في مصير الناس وحريتهم دون وجه حق ,, هو الشر المطلق .. هو ست\ساتان\الشيطان

ولكن الضابط لم ينس انسانيته بالكامل, يدفعه احساسه بصدق وأمانة فرجاني (نور الشريف) إلى الاهتمام بالموضوع بشكل أفضل مما استقبله به , نرى في المشهد الذي رفض فيه فرجاني أخذ أى نقود من والد الفتاة التي وجدها الغجر نظرة تقدير واعجاب في عين الضابط ,, نظرة تصديق .. انت لا تدعي أنك بهذه المثالية .. انت مثالي بالفعل

وجد أصدقاء السيدة صديقتهم تصطحب طفلة غريبة للنادي وهم يعلمون أن ابنتها متوفية ويعلمون أن لها سابقة في التعلق بأطفال غرباء وكان رد فعلهم شديد الغرابة أو فلنقل عديم المسئولية

يلفت المؤلف نظرنا لمعلومة لم تكن لتغير شيئا في سياق الفيلم ان لم تكن قد قيلت , لقد ماتت ابنة السيدة ساكنة الزمالك وهي تعوم في حمام السباحة لم تمت بسبب وجبة مسممة لتلاميذ في المدارس أو في حادث قطار

لم يقم زوج صديقتها بإبلاغ الشرطة أنه يشتبه في قيامها باختطاف فتاة. لم يهتم بمصير الطفلة ولكن شغله أكثر مشاعر صديقة زوجته. تلك الأنانية أمر طبيعي في تلك الطبقة الاجتماعية التي ترى الآخرين أقل منها درجة حتى ان اختطاف طفلة منهم أمر لا يثير كل ذلك الانتباه

لم يجد فرجاني فستان نسمة – المخطوفة – الأحمر في كيس قمامة بل وجد طفلة من أطفال العشوائيات ترتديه كهدية أتت من السماء لتقف به كأميرة بين أكوام المخلفات

تنتقل الكاميرا بين مكان سكن السيدة التي تسكن في الزمالك - حيث يقوم المستَعبدون بجمع القمامة بعربات كارو - إلى أوكار حياة أولئك المستعبدون أنفسهم والذين وصفهم المعلم بأنهم يمتلكون مفاتيح جميع تلك البيوت ... أولئك الذين قضى عليهم نظام مبارك بضربة واحدة عندما قام بقتل آلاف الخنازير التي تساعدهم في التخلص من القمامة بحجة المرض ليقوم بعد ذلك بالتعاقد مع الشركات الأسبانية لتنظيف الشوارع لنغرق بعدها في القمامة عقابا لنا على لا مبالاتنا بهم عندما قًتلت تلك الخنازير أمام أعيننا , اهتممنا وقتها بالوحشية التي تواجهها الخنازير أثناء قتلها بينما لم نهتم بالمأساة التي عاشها اصحاب تلك الخنازير عندما فقدوا مورد رزقهم فجأة دون سابق انذار أو تعويض

قتلت الخنازير بشكل وحشي ودمرت حياة أصحابها بشكل أكثر همجية , ولكننا لم نرى صحفي يجري لقاء مع اصحاب المأساة . ربما لإن العاملون بمهنة الصحافة هم بطبيعة الأمور أهل طبقة لا تعنيها مأساة الخنازير بشكل مباشر .. ترى من فينا الخنزير؟ الذين تلقوا أوامر بالقتل فأنصاعوا لها صاغرين جهلة أم الذين اصدروا أوامر بالقتل للحصول على عمولات شركات النظافة أم الذين مرت المأساة أمام أعينهم دون أن يشعروا الا بالتعاطف مع الخنازير لا أصحابها؟

نرى في الفيلم مشهد شديد الأهمية لم أكن لأفهمه لولا تفسير توفيق الغواص سابقا لتقسيم توازن القوى بين العائلات في الصعيد والريف ,, تلك الأسرة التي تسيطر على المناصب العليا والتعليم الأفضل ولكنها قليلة العدد أمام تلك الأسرة التي تعلم أولادها مؤخرا وأصبحوا موظفين وأطباء ومهندسين ولكنهم لايزالون لا يمتلكون القدرة على تولي المناصب التي تسيطر عليها العائلة الارستقراطية

المشهد بالتتابع يبدأ من لحظة ابلاغ الناظر بضياع الفتاة والذي لم تشغل سلامتها باله بل فكر فقط في من هو والدها وماسيفعله والدها وعائلة والدها وعائلة والدتها

نرى عائلة محمد – والد الفتاة – يتقدمهم محمد أفندي الموظف .. بينما العائلة الأخرى نرى أحدهم يرتدي "بدلة" ونظارة – مايعني انه شخص ذو نفوذ أو سلطة – لكن كان واضحا كونه كومبارس لا يحرك الأحداث بل يحركها الرجل الذي يبدو الكبير الحقيقي لتلك العائلة

ترى هل تمثل ثورة يناير امتداد لذلك الصراع القديم بين الارستقراطيين المتحكمين في مفاصل الدولة والعامة الذين يثورون من أجل ان يحلوا محلهم؟

نتوقع من تاريخ ظهور الفيلم ان محمد والد الفتاة يمثل الجيل الذي تعلم في عهد عبدالناصر فإنتقل من خانة الأجير لدى العائلة الأخرى لخانة الأجير لدى الدولة

بنشوف نقاش العيلتين جوة اللوكاندة – بعد ما اتحولوا من عيلتين بيتخانقوا على السطوة في بلدهم لمجرد صعايدة مشحونين على القاهرة في عربيات نقل وقاعدين في لوكاندة نص نجمة – والراجل الكبارة بتاع العيلة الأقدم بيقول الحل اللي متناسق مع وضعه وامكانياته واسلوب تفكيره .. احنا نلجأ لعضو مجلس الشعب – واحد من عيلته مش عيلة محمد - عشان يقدم استجواب للحكومة

مشهد النهاية من أكثر مشاهد الفيلم عبقرية .بعد ما بيسلم عليه كل ابطال الفيلم ويمشوا ويبتدي يكلم نفسه .. دورك يا فرجاني أنك تكون مصلح بين الناس , حنين عليهم , صادق في مشاعرك ناحيتهم , لما حتكون كدة حتلاقي نفسك بتساعدهم في حل مشاكلهم , حتلاقيك أثرت في الضابط وأثرت في أهل الطفلة ومنعت كوارث بينهم واثرت في الست اللي خطفتها ومجرحتش مشاعرها ودافعت عن الزبال الغلبان لما المعلم صاحبك زعقله وبلغت عن نخاس ووقفت شره ... والأهم أنك حميت الطفلة – المستقبل - من السقوط او الضياع , حتلاقي الناس بتحييك وتسلم عليك . لكن في النهاية برده حيسيبوك لوحدك وكل واحد حيرجع للحاجة اللي شغلاه.
انتهى

No comments: