لا جديد تحت الشمس ، فالشمس لم تعد
تستطيع أن تسطع فوق تلك البقعة من قلبي ، تلك البقعة توقفت عن ابداع المزيد من
الجديد على أى حال
فالجو مثالي لفعل أشياء غير مثالية
, نضيع أوقاتنا في الاختباء من تيارات الهواء ولكننا لا نخشى التيارات السياسية
رغم أنها الأكثر عبثا وقسوة
ماهي السياسة؟
السياسة هي "فلسفة ادارة
المجتمعات"
هناك فلسفة ترى أن النظام المركزي
الصارم الحديدي هو الأفضل لإدارة مجتمع لتحقيق أكبر قدر من الكفاءة ,, نشأت هذه
الفلسفة في الدول محدودة الموارد التي تحتاج لتنظيم قوي للغاية لتعظيم الاستفادة
من مواردها وردع أعداءها الطامعين في تلك الموارد (روسيا – ألمانيا-تركيا)
هناك فلسفة أخرى ترى أن الحرية
واللامركزية هي أساس الرخاء . هنا هم مخطئون , الحرية تنشأ في الدول التي لديها
موارد ضخمة تمكن شعبها من العيش برخاء وبالتالي يقل احتياجه للنظام الشديد الاحكام
تلك الدول التي لا تكفي فيها
مواردها – فلنقل أراضيها الزراعية - لعدد مواطنيها تجد ان النظام الدقيق هام
للغاية لتنظيم تلك الموارد بما يكفي السكان ,,, ثم عندما تقل تلك الموارد بشكل حاد
تضطر لمحاربة جيرانها حرب اخضاع كامل – المانيا واليابان عانتا من زيادة عدد السكان
– بعد تطور الطب والتكنولوجيا - دون أن تكفي الموارد لكل ذلك العدد من السكان
ولذلك تعالت فيهم النزعة العسكرية , لإن المجتمعات كما قلنا من قبل تتبنى القيم
التي تعينها على البقاء (القيم العسكرية من نظام شديد وأخوية بين المتشاركين في
المصير(الوطن\القومية) هي الأفضل لمواجهة نقص الموارد
بينما مصر عاشت في رخاء في الموارد
منذ بدايتها – أنظر كم زاد عدد السكان منذ خمس آلاف عام حتى الآن على نفس الرقعة
السكانية تقريبا – ولم تحدث لها مجاعات متكررة (مجاعة واحدة أو مجاعتين في عمر مصر
الطويل لا يمكن احتسابها مجاعة بسبب قلة الموارد وانما قطعا بسبب سوء التوزيع أو
التخطيط)
لذلك فالمصري بطبيعته لم يحتاج
للقيم العسكرية ولقيم العداء للآخرين للبقاء على قيد الحياة , احتاج المجتمع لتلك
القيم للخروج من هزيمته الحضارية أمام الغرب فنشأت الحركات العسكرية الطابع مثل
الاخوان واصحاب القمصان الخضر ومصر الفتاة وغيرها ولكنها لم تفلح في تلبية حاجة
المواطن خاصة في ظل انضمام الطبقات الأغنى لقيم الحضارة الأكثر رخاء – الغربية – وهي بالمناسبة القيم
الأفضل بالفعل لإنها تنشأ في مجتمعات حرة ومتطورة بشكل كبير وظهر ذلك في تبني
الوفد قيم الديمقراطية بشكل لم يعجب الملك ومؤيدين شرعيته ولم يعجب الطبقة التي
خرج منها الضباط الأحرار الذين رأوا أن خروج مجتمعهم من العبودية للمستعمر سوف
يكون بتحويل عبوديته أولا لدولته ووطنه فظهر التيار "القومي" الذي لبى
احتياج الشعور العربية للثقة بالنفس لفترة من الفترات ,,, لقد تعرضت الشعوب
العربية لإذلال الاحتلال الأجنبي لعقود طويلة وكانت القومية رد فعل متطرف يعادل ما
تعرضوا له من ظلم في عهود الحكام الأجانب ,, لكن القومية بطبيعة الحال عاطفة
طفولية سياسية يمكن ان يقوم الحاكم بإستغلالها لإقامة نظام مركزي دقيق ,, لكنها لا
تضمن أبدا أن تدفع المواطنين للعمل بكفاءة
لم يحتاج المصريون للعمل بكفاءة في
عهد عبد الناصر – لإنهم ببساطة لم يكن ينقصهم الموارد للبقاء على قيد الحياة ,,,
لقد كان السد العالي مهما للغاية لتوفير المياه والكهرباء لكن بشكل ما لم يكن هذا
ضرورة – حياة أو موت - للمواطن المصري بل تطلعا لحياة أفضل
ولهذا انهزمنا – هزمنا احساسنا
بالرخاء والتخمة النفسية من الثقة الزائدة بالنفس – لقد حاربنا في سيناء حفاظا على
شرعية النظام وشرعية احساسنا بالاستقلال ولم نحارب حرب حياة أو موت بدليل أن سيناء
لم يعمر فيها مدينة واحدة منذ نهاية الحرب
ونظر النظام المجتمعي في مصر للبدو على أنهم أقل قيمة – القيمة تنبع من الأهمية
الاقتصادية للمجتمع بالأساس
تنظر الشعوب عادة لسكان العاصمة
على أنهم الأهم – لإنهم الأكثر فائدة للنظام لإنهم الاكثر تعليما وقدرة على ادارة
الدولة – بينما تنظر بشكل أقل تقديرا لسكان الأقاليم – لإنهم يلبون احتياج اقل
أهمية لاستمرار النظام الاجتماعي
ربما لهذا كان الحكم في العصور
الفرعونية الزراعية البحتة خاصا بالأسر المنتمية للصعيد أو للدلتا لإنها الأكثر
أهمية لاستمرار النظام الاجتماعي
بينما زادت في العصور الصناعية أهمية
مواطن المدن نظرا لطبيعة المدن المعقدة في الصناعة والفن
يحتاج تعقد المجتمع لظهور أشكال
ابداعية تعبر عن هذا التعقد – لان التعقد يمثل معاناة للانسان العادي الذي يأتي
بالأساس وطوال الوقت من مجتمعات أقل تقليدا -
هل هناك فرق بين السياسة والتجارة؟
أو السياسة والحب؟ أو السياسة وكرة القدم؟ أو السياسة والمصارعة؟ ,, السياسة كل
ذلك وأكثر لذلك هي الأكثر متعة
السياسة تجارة وسلعتك التي تبيعها
للناس هي أفكارك ومبادئك , حزبك ومرشحك , النموذج الذي تقدمه ليسود مجتمعك, فأعلم
ماذا تقدم وأحذر من أن تقدم منتجا فاسدا أو فاشلا – فما تقدم هو أنت
السياسة حب, فإن لم تحب الناس لن
تنفعهم ولن يصدقوك ولن تقدم لهم مايصلح شئونهم, ان تتعالى على الناس ينساك
الصادقين ويجلك المنافقين
السياسة كالرياضات المختلفة
فهي ككرة القدم ، لها حماسها,
جمهورها ,أهدافها , بها لمسات اليد التي قد تحرز بها هدفا بلا طعم وإن أوصلك لكأس
العالم, والجمهور يحب الموهوبين
السياسة كالمصارعة, هناك من ينتصر
بالضربة القاضية وهناك من يفوز بالنقاط وهناك من يلعب فقط ليخسر أمام الآخرين
وأولئك هنا هم الليبراليون لإنهم "ليبراليون" وليسوا
"تحرريون" – لن يفهم الفارق سوى من يعلمه
*الليبراليون هنا من سموا أنفسهم
ليبراليون لإنهم يريدون أن يعيشوا وسط قيم حداثية – لإنهم يرون تأثيرها الإيجابي
على المجتمع – ولكنهم في نفس الوقت لا يفهمون المنطق وراء تلك القيم الحداثية
فيخلطون بينها كمظهر وبين طرق التفكير التقليدية - , هم يريدون السعادة التي
تجلبها الحرية ولكنهم لا يؤمنون بالحرية حقا ولا يريدون الدفاع عنها بشكل حقيقي ,,
ولإنهم يريدون الدفاع عنها مظهريا فلذلك تمسكوا بإسمها "ليبرالية" الغير
مفهوم بالنسبة لمعظم الناس – أقصد الناس الذين ينتمون لطبقات لم تتح لها الفرصة
لتقرأ عن الليبرالية أساسا لاحظ أن معظم ما يكتب عن الليبرالية يكتب باللغة
الانجليزية وصعب إيجاده بالعربية وأن القيم التي تعيش في ظلها المجتمعات
الليبرالية تصدم العقلية المحافظة للطبقة الوسطى المصرية - لم يحاول
"الليبراليون" إيجاد اسم أكثر سهولة في الفهم على الناس ,,, بينما لو
حاولوا لوجدوا أن اسم مثل التحرر أسهل في الفهم لإنه يربط الذهن العادي بفكرة
الحرية
السياسة كالشطرنج , يفوز فيها
غالبا من يضع خطط معقدة متشابكة ذكية ويتوقع خطوات منافسيه بشكل ذكي , أحيانا يفوز
من يلعب أولا وأحيانا يفوز من يلعب ثانيا, لا يهم فالسياسة دور شطرنج ابدي من
المستحيل انهاؤه
أيها السياسي أنت تلعب برقعة شطرنج
تمتلئ بالقطع , الاعلام يبدو مثل الحصان يتنقل خلف خطوط العدو بشكل غير مستقيم ,
التنظيم – وزيرك الذي ان فقدته فقدت نصف قوتك , العلاقات الشخصية التي تبدو غير
مباشرة في تأثيرها مثل الجندي – الذي ان وصل عند خصمك لتحولت لوزير جديد ,
الكاريزما الجماهيرية التي تقتحم بها صفوف أعدائك ولو كانوا أكثر منك منطقا ...
لكنك بعد كل ذلك لا تدري أنك هنا مجرد قطعة في لوحة شطرنج اكبر يتنافس فيها قادتك
السياسيون – فأنت احد أدواتهم – بينما قادتك السياسيون مجرد قطع في لوحة شطرنج
عالمية تتنافس فيها الدول والأفكار الكبرى ... صحيح أن "الحرية" تكاد
تكتسح الرقعة الا ان بعض المربعات لا تزال في حاجة لمعارك داخلية ضخمة لتنضم
للعالم الأكبر , الأكثر سلاما والأفضل تنظيما والأكثر رحمة
السياسة كسباق السيارات – يفوز
فيها عادة الأكثر قدرة على المغامرة والأكثر تنظيما وتطورا في فريقه المساعد
عزيزي السياسي احذر تحويل حلبة
المصارعة لحلبة قتال. فالقاتل يفقد حماس الجمهور, الجماهير وان أرادت فوزا عنيفا
لا تريد القتل, تخسر عندما تخلط الدم بالسياسة
No comments:
Post a Comment