كتاب ( طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد ) للشيخ المفكر المجاهد عبد الرحمن الكواكبى ( 1854 - 1902 ) هو كتاب لا غنى عن قراءته - رغم رأيه السلبى للغاية فى المرأة - لكل من أحب الانشغال و الاشتغال بالسياسة و بالعمل العام و بمستقبل وطنه
هو كتاب يشرح و يشرًّح الاستبداد و قواعده التى لا يستغنى عنها و قوانينه الثابتة و المتغيرة و تأثيره على المجتمعات و الأفراد و الثروات و الأخلاق و الدين و شخصيا أظن أنه يعادل فى القوة و البساطة كتب عالمية أخرى تتحدث عن نفس الموضوع و يتفوق عليها بأنه وليد بيئتنا و يتحدث بلساننا
و لو أن الأمر بيدى لجعلته مقررا - بالفهم و النقاش - على طلبة الاعدادية و الثانوية و الجامعة لتخرج لمصر أجيال ترفض العبودية و الاستبداد و الخضوع و الذل لحاكم أيا كان
أهداه الى صديقى العزيز باسل جمعة عندما كان فى زيارته الأخيرة لمصر و أنا أهدى اليه هذا التلخيص
و منذ بدأت قراءته لم أتوقف عن الاندهاش من قدرة الكاتب على وصف أحوالنا الحالية و مصائبنا المتعاقبة منذ مئات السنين و قررت مشاركة فى الفائدة مع أصدقائى نقل بعض الأجزاء التى أراها فيه أكثر أهمية و أرجو من كل من يقرأ التلخيص لهذه الأجزاء أن يقوم بنشرها كيفما يشاء فى أى مكان يشاء بدون أى شروط
ينقسم الكتاب الى مقدمات و فصول : تعريف الاستبداد ثم الاستبداد و : الدين - العلم - المجد - المال - الأخلاق - التربية - الترقى - ثم التخلص منه ... و قد اخترت البداية بفصل الاستبداد و الأخلاق
أمدنا الله بالعلم النافع و نفع أوطاننا بنا
====================================
الاستبداد و الأخلاق
--------------------
الاستبداد يتصرف فى أكثر الأميال الطبيعية و الأخلاق الحسنة فيضعفها أو يفسدها أو يمحوها , فيجعل الانسان يكفر بنعم مولاه لأنه لم يملكها حق الملك ليحمده عليها حق الحمد , و يجعله حاقدا على قومه لأنهم عون لبلاء الاستبداد عليه و فاقدا لحب وطنه , لأنه غير آمن على الاستقرار فيه و يود لو انتقل منه , و مختل الثقة فى صداقة أحبابه لأنه يعلم أنهم مثله لا يملكون التكافؤ .. و قد يضطرون لإضرار صديقهم بل و قتله و هم باكون
أسير الاستبداد لا يملك شيئا ليحرص على حفظه لأنه لا يملك مالا غير معرض للسلب ولا شرفا غير معرض للاهانة
و هذه الحال تجعل الأسير لا يذوق فى الكون لذة نعيم غير بعض الملذات البهيمية و يكون حريصا أشد الحرص على حياته الحيوانية و ان كانت تعيسة .. و كيف لا يحرص عليها و هو لا يعرف غيرها ؟ .. أين هو من الحياة الأدبية ؟ أين هو من الحياة الاجتماعية ؟
أما الاحرار فتكون منزلة حياتهم الحيوانية عندهم بعد مراتب عديدة ولا يعرف ذلك الا من كان منهم أو من كشف الله عن بصيرته
و مثال أسراء الاستبداد فى حرصهم على حياتهم , الشيوخ الذين يحرصون على حياتهم أشد الحرص عندما تمتلئ بالأسقام و الالام من الشباب فى مقتبل العمر
الاستبداد يسلب الراحة الفكرية فيضنى الأجسام فوق ضناها بالشقاء فتمرض العقول و يختل الشعور .
و العوام قد يصل مرضهم العقلى الى درجة قريبة من عدم التمييز بين الخير و الشر فيما كل ما ليس من ضرورات حياتهم الحيوانية . و يصل تسفل ادراكهم الى أن مجرد آثار الأبهة و العظمة التى يرونها على المستبد و أعوانه تبهر أبصارهم و سماع ألفاظ التفخيم فى وصفه و حكايات قوته يزيغ أفكارهم فيرون و يفكرون أن الدواء فى الداء فينصاعون بين يدى الاستبداد انصياع الغنم بين أيدى الذئاب
و لهذا كان الاستبداد يستولى على تلك العقول الضعيفة للعامة و يتغلب على تلك الأذهان الضئيلة فيشوش فيها الحقائق , بل البديهيات كما يهوى
فيكون مثلهم فى انقيادهم الأعمى للاستبداد و مقاومتهم للرشد و الارشاد ( اللى نعرفه أحسن من اللى ما نعرفوش ) مثل تلك الهوام التى تترمى على النار و تغالب من يمنعها عن ذلك
اذا دقق المطالع المستريب من ان الاستبداد يقوم بقلب الحقائق فى الأذهان فيمكنه أن يرى كيف أنه مكن بعض القياصرة و الملوك الأولين من التلاعب بالأديان تأييدا لاستبدادهم فاتبعهم الناس
فنرى أن الناس وضعوا الحكومات لأجل خدمتهم فقلب الاستبداد الموضوع فجعل الرعية خادمة للرعاة فقبلوا و قنعوا و يرى كيف يتم تستخدم الحكومات المستبدة قوة الشعب على مصالحهم لا لمصالحهم فيرتضوا و يذعنوا
و يرى أنه قبل الناس من الاستبداد ما ساقهم اليه من اعتقاد أن طالب الحق فاجر و تارك حقه مطيع و المشتكى المتظلم مفسد و النبيه المدقق ملحد و الخامل المسكين صالح أمين و من تسمية النصح فضول و الغيرة عداوة و الشهامة عتوا و الحمية حماقة و الرحمة مرضا و النفاق سياسة و التحيل كياسة و الدناءة لطف و النذالة دماثة
و الغريب ليس تحكم الاستبداد فى عقول البسطاء بل اغفاله لكثير من العقلاء و منهم حمهور المؤرخين الذين يسمون الفاتحين الغالبين بالرجال العظام لمجرد أنهم كانوا أكثروا فى قتل الانسان و أسرفوا فى تخريب العمران
و قد يظن البعض أن للاستبداد حسنات مفقودة فى الادارة الحرة فيقولون أن
الاستبداد يلين الطباع و يلطفها و الحق أن ذلك يحصل فيه عن فقد الشهامة لا عن فقد الشراسة
و يقولون الاستبداد يعلم الصغير الجاهل حسن الطاعة و الانقياد للكبير الخبير و الحق أن هذا فيه عن خوف و جبن لا عن اختيار و اذعان
و يقولون أنه يربى النفوس على الاعتدال و الوقوف عند الحدود و الحق أنه ليس هناك سوى انكماش و تقهقر
و يقولون الاستبداد يقلل الفسوق و الفجور و الحق أنه عن فقر و عجز لا عن عفة و دين
و يقولون يقلل التعديات و الجرائم و الحق أنه يمنع ظهورها و يخفيها فيقل تعديدها لا أعدادها
من أين لأسير الاستبداد أن يكون صاحب أخلاق و هو كالحيوان المملوك العنان ؟
يقاد حيث يراد و يعيش كالريش حيث تهب الريح . لا نظام ولا ارادة
و ماهى الارادة ؟ ... هى أم الأخلاق و قيل عنها : لو جازت عبادة غير الله لأختار العقلاء عبادة الارادة
هى تلك الصفة التى تفصل الحيوان عن النبات بتعريفه بأنه متحرك بالارادة
فالأسير اذن دون الحيوان لأنه يتحرك ( و يبنى المبانى و يقاتل فى المعارك و يكسب البطولات الرياضية ) بإرادة غيره لا بإرادة نفسه
أسير الاستبداد لا نظام فى حياته فلا نظام فى أخلاقه
أليس الأسير يبغى .. فيُزجر أو لا يُزجر ( حسب درجة واسطته )
و يٌبغى عليه فينصر أو لا ينصر ( تبعا لموقعه من المستبد )
و يحسن فيكافأ أو يرهق
و يسئ كثيرا فيعفى عنه و قليلا فيشنق ( لعدم الاحتكام للقانون )
يريد أشياء فيمنع و يرفض اشياء فيرغم
أقوى ضابط للأخلاق : النهى عن المنكر بالنصيحة و التوبيخ لذلك أطلقت الأمم الحرة حرية الخطابة و التأليف و المطبوعات مستثنية القذف فقط و رأت أن تحمل مضرة الفوضى فى ذلك خير من التحديد لأنه لا مانع للحكام للحكام أن يجعلوا الشعرة من التقييد سلسلة من حديد يخنقون بها عدوتهم الطبيعية : الحرية
و الموظفون فى عهد الاستبداد للوعظ و الارشاد يكونون مطلقا - ولا أقول غالبا - من المنافقين الذين نالوا الوظيفة بالتملق و ما أبعد هؤلاء عن التأثير لأن النصح الذى لا اخلاص فيه هو بذر عقيم لا ينبت و ان نبت كان رياءا كأصله
أما النهى عن المنكرات فى الادارة الحرة فيمكن لكل غيور على نظام قومه أن يقوم به بأمان و اخلاص و أن يوجه سهام قوارصه للضعفاء و الأقوياء سواء فلا يختص بها الفقير المجروح الفؤاد بل يستهدف أيضا ذوى الشوكة و العناد و أن يخوض فى كل واد حتى فى مواقع تخفيف الظلم و محاسبة الحكام و هذا هو النصح الذى يعدى و يجدى و الذى قصده رسول الله بقوله ( الدين النصيحة )
حلقة على راديو حريتنا بتتكلم عن الكتاب لقيتها بالصدفة بعد كتابة الموضوع
http://www.horytna.net/Articles/Details.aspx?TID=2&ZID=235&AID=10347
لينك لتنزيل الكتاب
http://rs322.rapidshare.com/files/70679158/kawakibi.ZIP
مواضيع ذات علاقة
يا حسين أنت فين - نقلا عن كتاب الاسلام الديمقراطى لابراهيم عيسى
http://badawy-elghad.maktoobblog.com/375297/%d9%8a%d8%a7%d8%ad%d8%b3%d9%8a%d9%86-%d8%a3%d9%86%d8%aa-%d9%81%d9%8a%d9%86-%d8%9f/
ياحسين أنت فين (2) كتاب الاسلام الديمقراطى
http://badawy-elghad.maktoobblog.com/380264/%d9%8a%d8%a7-%d8%ad%d8%b3%d9%8a%d9%86-%d8%a3%d9%86%d8%aa-%d9%81%d9%8a%d9%86-%d8%9f%d8%9f-%d8%a8%d9%82%d9%8a%d8%a9/
هل نستحق الحرية ؟
http://badawy-elghad.maktoobblog.com/324959/%d9%87%d9%84-%d9%86%d8%b3%d8%aa%d8%ad%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%9f%d8%9f/
ذات الرداء الأبيض
http://www.facebook.com/note.php?note_id=55889678033
ليه صوتى مطلبى ؟
http://www.facebook.com/note.php?note_id=80302593033
No comments:
Post a Comment