بانيك أتاك - بيض بالطحينة
جلس في ذلك المطعم
الرخيص
منتظرا صديقه رقيق
الحال الذي صادقه من الكلية وكان ينظر إليه بمزيج من الشفقة والانبهار, الشفقة من
رقة حاله والانبهار بتشكيل شخصيته الفريد والذي لم يصادفه في مجتمعه من قبل
كان من النوع الذي
يحب ملاحظة كل شئ بدقة من حوله وكان من أهم مايسترعي انتباهه تكوين الشخصيات التي
يقابلها في حياته
هنا نفهم أنه في
الواقع لم يكن صديقه الفقير بالنسبة له إلا حالة ملاحظة - سرعان مايمل منها
ويتركها دون كلمة أخرى ، لم يكن ممن يقومون بمد جسور التواصل بينه وبين معارفه
القديمة لكي يعبرها بعد ذلك وقتما يحتاجها ، تربيته المرفهة فرضت عليه أن يكون
مستغنيا عن الإحتياج كارها له
ظل ينتظر صديقه في
ذلك المطعم الرخيص الذي يحتل واجهة البيت الذي يسكن فيه والتي تبدو أكثر نضافة مما
حولها من واجهات بيوت بسبب ما أنفقه صاحب المطعم ليجعل واجهة المنزل مقبولة
كان صديقه الفقير قد
أخبر البائع ,صديقه الآخر, بما يريد أن يأكله وبما اختاره لك لتأكله معه , ذلك
طبعا بعد مفاوضات عديدة رفضت فيها الفول بأنواعه والفلافل بأنواعها , لعلك قلت أن
الفول والفلافل أكثر صعوبة في الهضم داخل معدتك التي لم تعتاد إلا الأكل النظيف
المطهو جيدا وبشكل صحي، ولعلك أيضا قدرت أن البطاطس والبيض المسلوق هما أقرب
لمعدتك من البابا غنوج والباذنجان والمسقعة التي شعرت بقشعريرة عند سماع اسمها ,
ولذلك بناء على نصيحته - تقول لنفسك انها نصيحته وليس اختياري لتقلل من احساسك
بالمسئولية عما سيحدث لمعدتك المسكينة - طلب بيض مسلوق وطلب بطاطس صوابع ثم صعد
ليقوم بتغيير ملابسه قبل أن تأتي الطلبات حتى يستطيع أن يذهب معك إلى الرجل الذي
سيقوم بإصلاح سيارة والدك القديمة
تنظر إلى طبق
الطماطم المخلل الذي يضعه الفتى شاحب الوجه ظاهر الإنهاك فتتخيل منظر تلك الطماطم
وهي تباع فاسدة بثمن بخس لذلك المطعم ، تعافها نفسك ، قد تبدو مغامرة التعرف على
شخصية عنيدة مثل تلك مغرية لكن ليس لتلك الدرجة
تتخيل ذلك الفتى
شاحب اللون وهو يعيش وسط عائلة تحت الفقر بمراحل حيث يمتلئ بيتهم بالأمراضا والحشرات،
هل سيقوم ذلك الفتى التي لايبدو أن يديه قد لامست صابون غير ذلك الصابون المصنوع
في مصانع المخلفات بلمس طعامي الذي سآكله بعد دقائق؟ كانت الفكرة مثيرة للغثيان
تمنى لو أن صديقه -
حالة الدراسة - ينزل بسرعة حتى يتحجج بضيق الوقت كي لا يضع ذلك الطعام الذي لامسته
يد الفتى المريض والغير نظيفة قطعا في فمه
للأسف لم يظهر صديقك
بعد والفتى النحيل ذو العينين الغائرتين كمدمني الكوكايين يضع أطباقك أمامك ، هي
ليست أطباق مثل التي تأكل فيها وإنما هي أطباق معدنية
لا تعلم لماذا
تحديدا يظهر في ذهنك ذلك الخبر الذي قرأته عن القبض على صاحب شركة صغيرة لتصنيع
أدوات المائدة الرخيصة يقوم بخلط طلاء تلك الأدوات بمادة مخلفات الرصاص الممنوعة والتي
تؤدي لتآكل خلايا المخ وتتذكر ذلك البحث العلمي الذي أثبت أن هناك علاقة بين
إرتفاع عدد الأمراء والملوك المصابين بالجنون بين حكام روما القديمة وبين بناء
مشروع الرى الروماني الملكي من مواسير مصنعة من الرصاص
"ياترى لو بياكل من المطعم ده مرتين كل أسبوع
يكون حصل إيه لمخه دلوقتي؟ لما أبقى أخطفه أبقى أشرح مخه زى فيلم سو ،، ههههههه"
مد يده بشجاعة حسد
نفسه عليها وأمسك بلقمة خبز ووضعها في طبق البطاطس الذي يتخوف من أن يكون طلاؤه من
الرصاص ، قال لنفسه "وليكن ، فهل مرة أكل واحدة تكفي لقتل كل خلايا المخ؟ ،،
يا للحماقة ، إن كل خلية تذهب لاتعوض، ولا سبيل لي سوى عدم المخاطرة بأكل طعام
مخلوط بالرصاص ولو مرة واحدة"
كان إغراء البحث
أكبر من كام خلية حيضيعوا من مخي فقررت أبقى شجاع ومخفش من بلع اللقمة اللي أنا
متأكد انها مليانة سموم
كانت البطاطس
ويالدهشتي أنني لم أراها غير الآن عندما اقتربت من فمي ذابلة داكنة اللون ، لا
تشابه تلك البطاطس الصفراء الذهبية التي تأكلها في أقل مستوى مقبول من المطاعم ،
تضحك لإنك تذكرت عدم وجود كاتشب وتتذكر ذلك المشهد في بخيت وعديلة والذي يتجمع فيه
الفقراء حول عادل امام وشيرين ويسألهما أحد الكومبارس عن الكاتشب والمايونيز عشان
ميضحكوش عليهم
ضحك ثم سيطر عليه
هاجس تفاؤلي ، لو أن الفقراء بالفعل مش حيتضحك عليهم زى ما شواهد كتير مابتقول بعد
الثورة فده معناه أنهم حيعيشوا في وضع أفضل في يوم من الأيام
الحقيقة أن هذا اليوم
– يوم حصولهم على حقوقهم - لا يهمني في شئ , لم أسعى له بشكل حقيقي كما لم اتجاهله
بالكلية, لم أؤمن بشكل حقيقي بأحقيتهم في الانتقال لوضع أفضل ،، هم مسئولون عما
وصلت إليه أوضاعهم البائسة بشكل أو بآخر , يكفي أنهم لا يثورون مثلما ثرنا, لقد
شاركت في الثورة ولم أهتم وقتها بأن مصالح والدي الاقتصادية قد تصبح في خطر ولم
أخشى شيئا
لقد كنت قطعاً أكثر
شجاعة من اولئك الفقراء المستكينين الذين قاموا بمنتهى الحماقة بتسليم البلد
للأخوانيين
لم تؤثر فيا تلك اللافتة القبيحة التي يضعونها في
أول الحارة وتحمل صورة شخص يقولون أنه من شهداء الثورة في موقعة الجمل فإنني لا
أصدقهم كثيرا – من أدراني أنه لم يكن أحد البلطجية الذين أستأجرهم مبارك لضربنا في
الميدان؟
الفقراء حمقى تبعونا إلى المجد والثورة ولم
يبادروا بها لولانا ولولا الفيس بوك وتويتر الذين ندين لهم بالفضل في معرفة العالم
حولنا بشكل أفضل ثم قاموا بتسليم الثورة للأسلاميين , يقول بعض زملائي في الحزب
الاشتراكي الذي أنتمي اليه أن ثورة الجياع قادمة ولا شك ولكنه يبدو لي سراب لا
أرفض حدوثه ولكنني لن أقف بسلاح ضده
لا أنكر أن ذلك
الاحتمال – ثورة الجياع - سوف يسبب لعائلتي الكثير من الصعوبات لكنه سوف يكون أمرا
رائعا أن نعيش ذلك الحدث التاريخي الذي لابد وأنه سيماثل ثورة الجياع في فرنسا ,
تبدو احتمالية رؤية المشانق في الشوارع مثيرة للغاية حتى لو كانت رقبة والدك نفسها
أحد تلك الرقاب المعلقة
تلك البطاطس أيضا
مثل الطماطم ، لابد وأنها من أردأ الأنواع ، تلك التي يغذونها بأسمدة اسرائيلية
كما قال لك أحدهم مرة وسخرت منه ,كنت
بتتريق عليه وقتها قصاد جيجي عشان تصالحها , كنتم بقالكم كتير ما نمتوش مع بعض وهي
قافشة عليك وأهلك مسافرين كمان يومين ولازم تصالحها وكانت أحسن طريقة - قبل ماتجيب
لها الحلق الهاند ميد أبو ٣٠٠ جنيه - أنك تحرج الواد اللي هي مش بتطيقه عشان عامل
فيها مثقف بزيادة قصاد بقية العيال
المشكلة أنك كنت عارف
ان كلامه صح لإن عمك كان حكالك قبل كدة أن الأعشاب الطبية اللي بيزرعها بتحتاج تتغذى
بسماد عالي الجودة عشان التصدير مش زى السماد اللي بيستخدموه في زراعة الخضار اللي
بيستهلك في السوق المحلية
فاكر أنت رفض الاتحاد الأوروبي لشراء البطاطس من
السوق المصرية لعدم توافقها مع المعايير الدنيا وأن نوعية السماد كانت أحد اسباب
المشاكل
طيب دي البطاطس اللي
بناكلها وغالية ونضيفة والاتحاد الأوروبي رفض يشتريها ,, أمال اللي قدامي في الطبق
ده إيه؟
وبعدين هي لونها غامق كدة؟ ماهو أكيد زيت المكن
اللي بيستخدموه في قلاية البطاطس كذا مرة هو اللي خلا لونها كدة , الزيت ده مش بس مش
صحي, لكن القلي فيه أكيد بيجيب سرطان
تتململ في الجلسة ,
تنظر في ساعتك الكاسيو الأصلية التي أتتك هدية من والدتك في عيد ميلادك الأخير
لتكتشف أن زميلك تأخر بالفعل ، تأكل بضع لقيمات من البطاطس بعد رش الكثير من الملح
فوقها
تعرف أخطار ذلك النوع من الملح تحديدا الذي يسبب
حصوات الكلى فأنت تتذكر مشهد سمية الخادمة وهي تبكي للحصول منك على مبلغ من المال
يكفي لعلاج أبيها الذي يتكلف غسل كليته مرتين في الأسبوع مايوازي مصروفك كاملا في
شهر, أعطيتها جزء من مصروفك بشهامة حسدت نفسك عليها وقتها .بل وذهبت معها إلى
المستشفى مرة لتسمع من الطبيب تشخيص الحالة ,
بتقوللي بيزود ملح
في الأكل ياروح أمك؟ أنت بمنظر أهلك ده دكتور ولا تمرجي؟ بقى مش لو كنت كملت في
الدروس كان زماني في تالتة طب دلوقتي؟, الله يخرب بيت بخل أبويا, أستخسر فيا ٢٠٠٠
جنيه دروس في الشهر وهو بيكسب قدهم عشر مرات ،، بخيل أبويا , والمستشفى تقرف وتعيي
, أنا مالي إذا كان أبوها عنده حصوة في الكلى ولا مات حتى ، عموما أهي حتبقى أجمد
قلم لجيجي لما تلاقيني مصاحب بت خدامة عليها ومهتم بيها أكتر منها ,, الموضوع بس
محتاج شوية صبر عشان تقتنع اني بحبها ومش عاوز أنام معاها وخلاص
فاق من شروده على
صوت ذبابة تحوم حول أبريق الماء البلاستيكي الموضوع أمامه ،لم يكن الحر كافيا ولكن
أيضا رغبته في بلع أيا ماكان يأكله كانت كافية لكي يمد يده ويمسك الابريق مضحيا
بإحتمالية أن يكون ذلك الماء ملوثا أو راكدا أو مختلط بالمجاري
لا كله إلا هذا ! ، لا يمكن أن يكون مايحدث
حقيقيا ، رائحة الماء معكرة بالفعل ، لم يصدق ماقاله أحد أعضاء ٦ أبريل في ذلك
اليوم في المدرج من وجود مناطق كثيرة في مصر تشرب الماء المختلط بالصرف الصحي
ايه اللي حيخليني
أصدقه يعني؟ ماهما كل حاجة كانوا بيأفوروا فيها , مكنتش فاضي وقتها وكنت بحاول
أضبط مع أخت جيجي عشان أقابلها بعد السيكشن ,, دلوقتي بس صدقته لما لقيت المياة
فعلا طعمها وريحتها مش مضبوطين
يعني ياربي انا عملت
إيه في الناس عشان يحصل فيا كدة؟ يمكن عشان طردت البت الشغالة وقطعت عيشها؟ مش
أحسن ما كنت أخليها تريل عليا ؟
رأى فتاة مارة في
الحارة , برغم جسمها الممتلئ إلا أنه شعر بحرارته بالإيحاء فقط عن طريق ملاحظة ذلك
الإهتمام البادي على الجالسين على القهوة، لابد أنها مارلين مونرو هذه الحارة
تخيل لو يقوم
بإغوائها لتصبح ملكا له يوما، تخيل كل تلك الخرافات عن الجنس التي لابد وأن عقلها
محشو بها ، لابد وأنها ستكون ليلة عصيبة لا ليلة عشق وغواية حيث سترفض أن تتحرك
وتخاف أن تتجاوب معه حتى لا يصفها بالفجور, هذا إذا ما لم تصر على أن يتزوجها في
احتفال ابتسم عندما تخيله وهو يجمع بعض افراد عائلته كأفراد من كوكب آخر هنا ، أما
لو أنها قبلت أن تتجاوب معه بلا زواج فلابد أنها لن تكون سوية النفس, سوف تكون
عاهرة فقيرة مثيرة للشفقة أكثر مما هي مثيرة للرغبة, يعلم عن ذلك النوع وقد جربه
من قبل .. فلا فائدة
تخيل لو تزوجها -
بكل مافيها من انكسار ارادة أو خبث طوية كما يعلمون النساء - ثم أنجبت له طفلا
ليسكن هنا! ليصبح واحد من أولئك , يرضع اللبن المغشوش بالماء الملوث بالمجاري ،
لايجد طبيبا لعلاجه عندما يمرض ، يذهب لمدرسة حكومية لا تتلقى أى قد من الانفاق
الذي يذهب لدعم مصانع عائلته وغيرهم من رجال الأعمال الكبار،
تخيل ابني يعيش عمره
دون أن يتعلم أى هواية ولايجد سوي ذلك الشارع الضيق - الذي لايسمح لسيارتي بالمرور
- ليلعب فيه بكرة يقطعها غالبا أحد السكان وربما يكون من يقطع كرته هو واحد من
هؤلاء الجالسين أمامي في القهوة
كل الجالسون
بجلاليبهم وقمصانهم الكالحة وانهاكهم الصحي الواضح مع طول التعود على شيشة المعسل
يجعلونني على وشك التقيئ ، هنا يمكنني أن أتخيل دون عناء أن ذلك العجوز في السبعين
ماهو إلا شخص في الستين وربما الخمسين لكن الأمراض والضغوط قد أكلت سنوات عمره
وحيويته حتى بدا في السبعين
فجأة خطرت له خاطرة
سوداوية ، أصبح يجول ببصره فيما حوله ويرى الخطر في كل شئ ، تلك الأتربة العالقة
في الجو ، لابد أنها تحتوي نسبة عالية من الرصاص فالسيارات المارة من هنا متهالكة
بمحركات قديمة تستخدم أردأ أنواع البنزين والزيوت وطبيعي أن مخلفاتها أكثر تلوثا
من أى مكان آخر ، ذلك الطعام الردئ المزروع بشكل سئ والمخزن بشكل مدمر والمطبوخ
بزيوت تكاد تكون منتهية الصلاحية ويعرض في تلك الصحون المصنوعة بشكل ردئ ، ذلك
الماء الذي يشربون ويستحمون فيه وفيه رائحة العفن ، ذلك المكان بدا له ضيقا بعد
رحابة ، وبدأ صدره يضيق وأنفاسه تتسارع
فكرة واحدة سيطرت
عليه "أنا لازم أخرج من هنا ، أنا لازم أخرج من هنا"
الآن مادمت قررت
الفرار أخيرا من ذلك المكان الموبوء فلا تنظر خلفك , لا تفكر في موضوع البحث الذي
لابد وأنه وصل إلى المطعم ويراك وأنت تسير بسرعة ولا يفهم ما الذي حدث،
الآن أعود إلى
الحياة ، إلى سيارتي لأشم هواء نظيفا معطرا وأشرب الماء المعدني لعله يغسل معدتي من
كل ذلك التلوث الذي تعرضت له, أرجع لنفسي وكفاية أوي لحد كدة
No comments:
Post a Comment