Sunday, May 22, 2011

المجلس الرئاسي والتهريج السياسي

المجلس الرئاسي والتهريج السياسي

منذ فترة ظهرت فكرة المجلس الرئاسي المدني الذي يريد بعض النشطاء أن يحل محل المجلس الأعلى للقوات المسلحة نظرا لقلة خبرة العسكر بشئون الحكم وارتكابهم أخطاء عديدة واصطدامهم بالمتظاهرين اكثر من مرة

ومنذ ظهرت تلك الفكرة لم آخذها على محمل الجد وأعتبرتها فكرة طريفة أخرى لا ضرر من وجودها حتى بدأت الدعوات ل"ثورة ثانية" يكون أحد أهدافها تسليم الجيش الحكم لمجلس رئاسي مدني

كان الموضوع هذه المرة أكبر مما أحتمل فسخافة الفكرة وضحالتها تشير وبوضوح – بالنسبة لي - إلى أن تولي أحد مقترحيها الحكم سيكون بمثابة كارثة على مصر وسأشرح لماذا في السطور القادم

أثناء عملي كنت أدير احدى الندوات قبل الاستفتاء حضر فيها قادة شباب لعدد من الحركات السياسية والأحزاب وإذا بأحد القادة الشباب لحملة مرشح رئاسي يتحدث بحماس شديد عن فكرة المجلس الرئاسي وأنها ضمان لعدم وقوع مصر في حكم العسكر حيث أن وجود المجلس الرئاسي مرتبط بطول الفترة الانتقالية لمدة سنتين ,, فسألته ببساطة "هل هذا المجلس الرئاسي سوف يكون منتخباً أم معيناً؟" .. فوجئت به يرتبك قليلاً ثم قال "معيناً" رددت عليه بسؤال آخر "وهل الجيش هو الذي سيعينه ؟" .. قال "بل سيكون منتخباً" ثم عاد بالكلام مرة أخرى للهجوم على المجلس العسكري وأخطاؤه .. كان ارتباكه دليل على أن الفكرة سطحية وبراقة كالعديد من الأفكار الأخرى التي لم تحظى بأى دراسة تتعدى العنوان ونظراً لإنني كنت مدير الحوار فلم يكن من المنطقي أن أدخل معاه في جدل في ذلك الوقت

لكن تمر الأيام وتفرض علينا الظروف العودة للسؤال المحوري مرة أخرى

هل المجلس الرئاسي الذي يطالب به بعض النشطاء سوف يكون معيناً ؟ أم منتخباً ؟

ولو كان معيناً .. من الذي سيقوم بتعيينه ؟ .. هل سيقوم المجلس العسكري بإختيار أفراد مدنيين – أياً ماكانوا – ليسلم لهم الحكم ؟

وإذا ما فعل الجيش هذا فما هو الضمان إذاً ألاّ يتدخل الجيش في قرارات المجلس المدني الذي عينه ؟ وما الضمان لعدم تكرار نفس الحجة للتظاهر – هؤلاء عينهم مبارك فقط ستتغير لتكون هؤلاء عينهم الجيش - بل وماهو الضمان أن يقبل شباب الثورة بالأسماء التي سيعينها المجلس العسكري ؟ ومن هو المتحدث بإسم شباب الثورة أصلاً ليقر بذلك الأختيار ؟ هل هو ائتلاف شباب الثورة ؟ أم اتحاد شباب الثورة ؟ أم مجلس أمناء الثورة ؟ أم هو ائتلاف اتحادات مراكز شباب الثورة ؟!!

ولو قبل شباب الثورة تلك الأسماء التي يختارها الجيش فمن قال أن بقية المجتمع سيقبل بها ؟ ... ماذا لو خرج السلفيين في مظاهرة مليونية للمطالبة بتعيين محمد حسان في المجلس الرئاسي ؟ من الذي سيقول لهم أن ذلك ليس من حقهم ؟ وماذا عن النوبيين والعمال والفلاحين والأطباء وأعضاء الأحزاب الذين سيكون لكل منهم حق مشروع تماما في أن يكونوا ممثلين في المجلس الرئاسي المزعوم!!

من الذي سيكون له سلطة تعيين حاكم لمصر – ولو لفترة انتقالية – لم يوافق عليه الشعب ؟

يقولون عادة إن المجلس العسكري لم يختره أحد ويتناسون حقيقة أن المجلس العسكري يحكم الآن بشرعية القوة – القوة الوحيدة المنظمة والرسمية في مصر - وأن أى حاكم غير منتخب سوف يستند إلى شرعية القوة وأن مجلس حكم يعينه الجيش سوف يستند إلى شرعية القوة أيضاً وسوف يستند إلى قوة الجيش والداخلية في قراراته التي سوف يرفضها الكثيرون نظراً لأنهم لم يكونوا طرفاً في اختياره

حسناً إذاً .. سوف يكون مجلس رئاسي معين .. ولكن لن يعينه الجيش .. فليكن مجلس من مجلس القضاء الأعلى ... سبحان الله ... القضاة الذين وصلوا لمناصبهم في عهد مبارك – نفس التهمة التي وجهت لقادة المجلس العسكري من قبل – والذين لم يكن لهم أى خبرة سياسية منذ ستين عاماً ! والذين سيستندون في قراراتهم السياسية في الفترة الانتقالية إلى حماية الجيش أيضاً ! هل تتوقع أن يكون أداء القضاة غير المسيسين مختلف كثيراً عن أداء العسكر غير المسيسين؟

لماذا تتحدث من الأساس عن مجلس معين يختار أعضاؤه الجيش ؟ نحن نريد مجلس رئاسي مدني ينتخبه الشعب المصري

يبدو لي هذا الرد غريباً في ظل كل الدعوات لتأجيل الانتخابات نظراً لعدم استعداد الأحزاب وشباب الثورة لخوض الانتخابات ونظراً لنظرية المؤامرة التي تحتم أن يكون هناك صفقة دنيئة بين الأخوان المجرمون والعسكر المتوحشون!

هل فعلاً يمكن أن تصل الازدواجية لهذه الدرجة ؟ هل نتخيل أن الجيش سوف يتلاعب في نتائج الإنتخابات البرلمانية في صفقة مع الأخوان ولن يتلاعب في نتائج انتخابات المجلس الرئاسي ؟!!!

هل يحتاج الأخوان والجيش أصلاً إلى صفقة بينما المنافس المدني لهم – الأحزاب -يعترف كل دقيقة أنه غير مستعد لخوض الانتخابات الآن لتجذر الأخوان في المجتمع ؟

هل من المفترض أن يدفع الشعب المصري ثمن ضعف النخبة السياسية ؟ وهل اطالة المدة الانتقالية تعني المزيد من القوة للأحزاب الجديدة وهل سينتج عنها غياب للأخوان مثلا ؟

هل من المفترض أن تتأجل الانتخابات سبعين عاماً يتم فيهم حبس الأخوان حتى تستعد الأحزاب لمنافسة الاخوان؟ شخصياً أؤمن بأن الأحزاب لن تتطور من داخل حضّانة بل يجب أن تدخل منافسة فعلية مفتوحة لكى تتعلم ما الذي يريده الناس وكيف يمكن أن تصل إليهم

نقطة أخرى تغضبني ... يقع العسكر في أخطاء تصل إلى حد اتهامهم بالإجرام في التعامل مع المتظاهرين نعم ... لكنهم ليسوا مسئولين عن قرارات الافراج عن رموز النظام السابق وإذا كنت ترى أن المجلس العسكري يتدخل في قرارات النيابة والقضاء فيجب ان يكون الحل الذي عليك أن تسانده هو الضغط من أجل استقلال القضاء وليس الضغط من أجل أن تخرج أحكام القضاء ترضينا

والحقيقة أن خلط المسئولية السياسية والأمنية للمجلس العسكري في العديد من الحوادث بمسئولية قرارات القضاء تشير إلى عقلية تعد بالتنكيل برموز النظام السابق حتى لو لم يكن هناك ما يدينهم قانوناًولا أفهم ماذا سيفعل الدكتور البرادعي - على سبيل المثال - لو تم انتخابه رئيساً للجمهورية ثم صدر حكم قضائي ببراءة أى من رموز الحزب الوطني؟ هل سيقوم بإعتقاله بدون حكم قضائي ؟

أقول عن اقتناع شديد .. أن من يضع في يده سلطة تجاوز القانون ليرضي الناس فسوف يستخدمها بعد ذلك في إقصاء المخالفين له بشكل أكبر ولن يختلف عندها التلاعب بالمشاعر الدينية عن التلاعب بالمشاعر الثورية

تنتقد كثيرا ولا تضع حلولاً

... الحقيقة أن المجلس الرئاسي هو حل لمشكلة غير موجودة في الواقع ... الحل في الانتخابات التي لا يفصلنا عنها سوى شهور .. انتخابات برلمانية يعرف فيها كل تيار سياسي حجمه الحقيقي في الشارع .. انتخابات تضع مسئولية قيادة البلد في يد الشعب الذي سيختار حكامه لأول مرة في التاريخ بحرية .. لا تخبرني عن أستخدام التيارات الدينية للدين للتأثير على الشارع .. فلتتحمل مسئولية الوصول للناس بمصالحهم وإذا لم تستطع أن تقنع الشعب بأنك الأجدر بتمثيله فأنت لست الأجدر مهما كان برنامجك قوياً أو مرشحك محترماً

الشعب هو الحكم وهو صاحب القرار وهو الوحيد صاحب سلطة تفويض المسئولية والانتخابات قادمة حتى لو تأجلت عشرة أعوام أخرى .. وقتها لن تنفع كل المليونيات في تغيير من سيختاره الشعب فإعملوا على أن يختاركم لا أن يلعنكم. 

===========

قبل كتابة المقال ده مباشرة قام أحد الزملاء من حزب الغد بعمل قائمة لأعضاء المجلس الرئاسي وضع فيها عشرات الأسماء لمشاهير مصريين معرفش ايه صفتهم عشان يحكموا مصر - منى الشاذلي على سبيل المثال - لكن الجميل أنه وسط الأسماء دي حط اسمه 

=============

مقالات أخرى في نفس الموضوع

عن حتمية انتصار الثورة - فقدان النظام لقوته
http://bad-way.blogspot.com/2011/02/1.html

الفوضى القادمة وكيفية التغلب عليها
http://bad-way.blogspot.com/2011/02/blog-post_26.html

اللعب مع الجيش
http://bad-way.blogspot.com/2011/03/blog-post_24.html

اسقاط شرعية الجيش الآن هي الثورة المضادة
http://bad-way.blogspot.com/2011/04/blog-post_3320.html

2 comments:

Bora said...

عجبتني منطقية طرح الافكار و انا مقتنع بمعطم اللي جه فيها

شخصيا بعد غضبي من فض اعتصام بالقوة طالبت بية نتيجة للغضب

و لحاجة تانية ودي الاهم وكانت ولا زالت مخوفاني ، وهي ان الناس مش عارف تفرق بين انتقاد المجلس العسكري في قرارة السياسي و دة مشروع و انتقاد المجلس العسكري كمنظومة عسكرية عامة و دة برضة مشروع بس مش وقتة

فطالبت بتعين مجلس مدني و انا متأكد انة مش هيبقي مستقل ف القرار فقط لتجنب التصعيد ضد المؤسسة العسكرية كسلطة حاكمة و انا متأكد انهم مش هيقبلوا التصعيد حتي و لو الموضوع وصل للعنف

مختلف في طول الفترة الانتقالية ، لاني شايف ان قوي حزبية شبابية كتير محتاجة فعلا وقت عشان توصل الشارع وكانت تستحقة علي عكس احزاب كتير لا تستحق لانها كانت ولازالت كرتونية

ولان المجلس النيابي القادم مش مجرد مجلس و هيغور ولانة هيشكل الدستور القادم فكنت اتمني ان المجلس القادم يبقي فية كل الاطياف السياسية و دة اكيد كان محتاج شوية وقت ع الاقل ادي الناس فرصة عشان ما احسش ان كان ممكن يبقي في احسن انا ماوصلتلوش نتيجة عدم الصبر او "لاسباب اخري" ما املكش عليها دلايل غير تحليلي المنطقي

عموما مقال رائع ، تحياتي

Anas said...

مينفعش نبني علي شيء غلط ومينفعش نبني دوله ديمقراطيه
. وما نلتزمش حتي بأول إستفتاء ديمقراطي في تاريخ مصر
. وما نحترمش إراده الشعب
. ونفرض وصايتنا علي الشعب
..
أحييك .. علي المقال الرائع