أولا أنا أعترف بأن جملة (الطريق الى الحل) ليست من ابتكارى بل هى من ابتكار صديقى - سابقا - السياسى الداهية هانى الخياط
ثانيا : عندما قلت أن (الحرية هى الحل) كان اول اعتراض ووجهت به هو أن تلك الكلمة تتعارض أو تتقاطع مع الشعار الشهير الذى يتصارع عليه الاسلاميين سواء الأخوان أو حزب العمل اة غيرهم ... (الاسلام هو الحل)
و قد كان ردى التلقائى الطبيعى جدا هو أن الاسلام - الذى أؤمن به - يدعو و يمهد الطرق للحرية بكل الأشكال فلذلك أنا أرى أن مقولة (الحرية هى الحل) التى نحتاجها الآن جدا غير متعارضة بأى شكل مع المقولة الشهيرة (الاسلام هو الحل) كمقولة عامة
ولن يحدث التعارض - على ما أظن - سوى عند من لا يؤمن بأن الاسلام هو دين الحرية ... و هم كثر من الجانبين .. من المسلمين و غير المسلمين
ثالثا : كان الاعتراض الثانى و هو الذى دفعنى لكتابة هذه السطور لأنه الأكثر وضوحا و تماسكا هو أن الاعتقاد بأن المنظمات الليبرالية هى التى تحتكر صكوك الحرية هو اعتقاد فاسد فى ذاته و قاصر و اقصائى لكل من يدعى أنه لديه حلولا جذرية لمشاكل مصر ( و ربما يزيد من عنده انه لديه حلولا سحرية لمشاكل العالم كله .. بس ما علينا لما نعرف نحل مشاكلنا نبقى نحل مشاكل العالم ) و الحقيقة أننى أوافق على تقبل هذا الانتقاد تماما .... فلو أننى توهمت أن الحرية أو التفكير العلمى أو الفلسفة أو البرامج العقلانية المنظمة قد أصبحت حكرا على التيار الليبرالى أو على المنظمات التى تدعو للفكر الليبرالى لأستحققت الجلد 1500 جلدة بتهمة الضحالة الفكرية و الجهل المطبق
لكن الحقيقة أننى لم أقصد بتاتا أن تلك المنظمات تمتلك "وحدها" توزيع صكوك الحرية و أن مادونها هم من كفار جهنم ( و هو ما يدعيه و يعلنه و يفخر به الجميع ليل نهار )
فما قصدته تحديدا هو أن تلك المنظمات التى بدأت فى التكون و الانتشار منذ فترة قريبة - فى التسعينات - و قويت مع الوقت و اكتسبت الخبرة و الموارد حاليا و بعض المصداقية ستكون المساهم الرئيسى فى تحول مصر لدولة حرة ديمقراطية تحترم حقوق الانسان و آدميته و خصوصياته
بداية أقول أن منظمات المجتمع المدنى المستقلة ( أيا كان فكرهها و توجهها السياسى و الدينى ) يقع عليها عبأ كبير فى النظام الديمقراطى الذى يؤمن باللامركزية بدرجات عالية و يميل للحد من التدخل الحكومى المفرط فى كل أمور المجتمع
و تقسم تلك المنظمات الى ماهو خدمى (غالبا دينى اسلامى أو مسيحى أو ملك لشخص أومجموعة ما ) و ما هو حقوقى و ما هو فكرى تنظيرى و ما هو سياسى التوجه ... و هكذا
و رؤيتى الخاصة التى قد لا توافقنى عليها أن النشاط الخدمى هو نشاط هام جدا للحفاظ على المجتمع كما هو بحالته الحالية ( أى انها تعمل كصمام أمان داخلى للمجتمع ) و لكنها لا تدعو لتغيير الوضع الحالى و انما تعمل فقط على تخفيف معاناة ضحايا الوضع الحالى المستقر بحيث تزيد قدرتهم على الاحتمال و مدة رضاهم بالواقع المعاش ( وهو ما تشجعه أى حكومة - ديمقراطية كانت ام ديكتاتورية - مادامت تسعى للاستمرار فى الحكم أو حتى تسعى لتخفيف القلاقل فى المجتمع)
لكن منظمات المجتمع المدنى الساعية للتغيير مثل الأحزاب السياسية و جمعيات و مراكز حقوق الانسان والمرأة و الأقليات و مناهضة العنف و النقابات و غيرها الكثير تعمل طوال الوقت على تغيير الوضع للأفضل على المستوى البعيد بالمطالبة بحقوق المواطنين و تعليمهم الحرص على الحصول عليها ( دون أى ادعاء من جانبى بأنها منظمات ملائكية أو أن الأفراد فيها أفضل أو أكثر ميل للتضحية بأنفسهم من بقية أفراد المجتمع )
و هى تعمل كجماعات ضغط على الحكومات و على المجتمعات أيضا لتغيير سياساتها و توجيهها لما يحتاجه الناس بحق و تعمل على تغيير توجه المجتمع فى الكثير من القضايا
و لذلك قد لا يشعر بعملها أحد على المستوى القصير و لكنه حتما سيشعر بتأثيرها التراكمى بعد حين يطول ام يقصر
و الميزة الرئيسية لتلك المنظمات هى أنها لا يمكن جمعها تحت قيادة موحدة ( لاختلاف توجهاتها و مطالبها و طرق عملها و اهتماماتها و مستويات تنظيمها و اهدافها) و بالتالى يصعب السيطرة عليها جميعا فى وقت واحد ( و هو ما يدعم اللامركزية ) كما أن انتشارها على عدة مستويات متشابكة و غير متشابكة ( مستوى المواطنين و مستوى نظام الحكم و مستوى القضاء و التشريعات و مستوى الاعلام ) يجعلها أقوى من أن يمكن تحييد دورها بسهولة
فما ان يوقف النظام القمعى عمل منظمة منها بأى دعوة سخيفة ( خوفا من تأثيرها المتنامى ) حتى تجد مركز آخر أو منظمة أخرى ظهرت لتعمل على نفس مطالب و أهداف المنظمة المغدورة
و ما أن يحدث انشقاق و هدم و تخريب لحزب حتى نجد آخر يقوم بكوادر جديدة أكثر ديناميكية و برؤية أفضل و خبرة مستمدة من سابقه
لذلك فأنه حتى لو حدث - لا قدر الله - أن وصل للسلطة فى مصر بعد انهيار النظام الحالى نظام آخر قمعى (عسكرى أو دينى ) فأن وجود و انتشار و قوة تلك المنظمات سيعمل و بشدة على فرملة وسائل النظام الحاكم القمعية مما يؤدى لأن تنكشف صورته الحقيقية أمام المواطنين و يفقد شعبيته أو أن يقوم - لو كان له كوادر حقيقية - بتطوير نفسه و أداؤه بحيث يظل حائزا على رضاء و ثقة الأغلبية على أسس موضوعية و ليس على أسس عاطفية متعلقة بالشعارات و الكلمات فقط أو أسس قهرية متعلقة بالتخويف و القمع
و دمتم
--------
أحمد بدوى
15-12-2008