أشعر بالغضب الشديد , بالثقة , بأهمية ما
سأقول
يقف حولي بعض الذين يعلمون أهمية ما سأقول ,
هم مؤيدون, المنزل لايقف بشكل سليم , مايحدث ليس اهتزازات بل يبدو وكأن كل شئ يدور
ويهتز حول نفسه , يبدو المنزل الذي نقف في ردهته كأنه بنى على أساسات من المكرونة
أقول ما أؤمن به بصدق وبشراسة , الآن – لم
أدري إلا بعدها لماذا – أصبح لدي الجرأة كاملة للصراخ بما يدور في ذهني , بل بما
يسيطر عليه , بل لم أعد أملك أن أتوقف عن الخطابة والصياح
فتاة تقف وسط المجموعة المتحمسة التي بدأ
بعضهم بالفعل في تحضير حبال وأشياء أخرى لإستخدامها عندما يحين الوقت
يتدفق الكلام مني لأول مرة عاليا واضحا رغم
اهتزازات المكان ورغم قلة عدد الحاضرين , يبدو لي بعضهم غير متحمس كما ظننت في
البداية , بل أن الفتاة التي رغبت للحظة في اثارة اعجابها بما أقول تبدو مهتمة
بفتاة أخرى, أفهم من تعبيرات وجهها أنها تتحدث عني , ذلك المعتوه تعدى المزاح
أنهم هنا يمزحون , تلك المجموعة , لكنني لا
أهتم , لم أعد خائفا , أصبح كلامي أقوى مني , تلك الرغبة الشديدة في أن أقول كل ما
يخنقني ,
أصرخ بكلمات لا أتذكرها جيدا الآن "لابد
من التوحد , لابد من أن نتغير حتى نعبر مما يحدث" ,, نظرات عدم الاهتمام
"هيا بنا نبحث عن لعبة جديدة" هكذا أسمعهم يقولون ولا أهتم , لم يعد في
امكاني الاهتمام
المنزل يبدو وكأنه يذوب حول محوره, رغبة
حارقة في التبول , أجري على السلالم التي
لا تستقر في مكان أو اتجاه , نحو شقتي , الباب مغلق , لا ألاحظ أن بيتي دائما كان
في الدور الأرضي بينما الآن أصعد له بسلالم غير مستقرة , أطرق الباب بقوة , أصرخ ,
أفتحوا الباب , لابد أن أدخل الحمام , ينظر لي من الداخل محسن ممتاز , ضابط
المخابرات العتيد بشاربه السميك , معه كثيرون , يبدون زملاؤه , لم يفتح لي بعد
لكنه ينظر لي نظرة شك وخيبة أمل
أخبره أن يفتح لي وسوف أخبره بتقرير عن كل
ماحدث , لا أتذكر أنهم فتحوا الباب , لكنني أقف محاولا التنشين في المكان الصحيح , لكن البيت كله لا يقف ثابت حتى أستطيع التركيز
أخبرهم أنني أعرف السر , "يجب أن
يتوقفوا عن أعمالهم التافهة لينضموا إلىّ وإلى دعوتي الجديدة, كل ما نعلمه سيسقط ويتغير ويجب أن نستعد جيدا للعالم الجديد", أخرج فلا أجدهم,
لسبب ما أحتاج للذهاب لجاري الذي يسكن في الشقة فوقي , ممثلة اغراء رائعة الجمال ,
تقف هناك معه , لا أتذكر ماذا كانت ترتدي لكنني أتذكر ذلك الاحساس بأنني يجب أن
أتحدث معها وأن أتعرف عليها , هي مشهورة لكن لا أتذكر اسمها , مثلت دور المجنونة في مسلسل ما , ما أن أبدأ في الكلام
حتى يضحكا سويا , لابد أنأ مظهري مضحك لا يمكن أن يكون ما أقوله مضحكا
أنها مأساة , أقف في مكان ما وسط الشارع ,
أصرخ على الناس ,"أتركوا الماضي خلفكم , القادم لا يرحم , فلنتوحد ,
انسانيتنا تجمعنا لنترقى " لا أحد يسمع ,, أحاول تذكر الجو أو شكل الشارع أو
حتى شكل الناس لكن كل ما أتذكره أن لا أحد يسمع وأنني لا أستطيع
التوقف عن الصراخ, كان صراخي في مثل تلك الأحلام عادة صامتا , ما أن أبدأ به حتى
أستيقظ لأذكر الله بكل ما أوتيت من قوة حتى لا يقضي على الشعور بالرعب
الآن لا استيقظ , بل استيقظ , في النهاية
أفتح عيني , الظلام حولي لا يضايقني , لكن الشعور بالغربة والضياع يطاردني , يمر وقت طويل حتى أقول "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"
مات
رضا , وجدوا جثته في مشرحة ضحايا رابعة , تلك كانت نص الرسالة التي قرأتها بدون اكتراث قبل أن أنام
مباشرة, رضا زميلي في الحزب , وصاحب الأفكار الرجعية المشوشة , لا أتذكر أننا كنا
أصدقاء يوما , لكننا جلسنا في القهوة مرة نتناقش حول الانتخابات , كنت أسعى
لإقناعه بدعمي ضد منافس آخر يضايقه رغم أنهم أقرب "فكريا" لبعضهم البعض وظل يتحدث عن "تجرده" من المصالح الشخصية
لم أكترث لآراء رضا كثيرا , وعكس كل من طار
صوابه عندما أحتج رضا بأنه يجب الغاء الفصل في الحمامات بين الاناث والذكور إذا ما
أصر الليبراليون على الغاء الفصل في المواصلات بين الرجال والسيدات , رأيت أن مايقوله حماقات منطق يموت
يتفكك يتحلل ولايجد أرضا يستند عليها , لم يشكل ذلك تهديد لأفكاري
لكن قتل رضا هو قتل لأفكاري نفسها بل قتل لي
, الآن لم يعد بإمكاني مناقشة رضا ومحاولة اقناعه بأن أفكاره خاطئة وأنني أكثر
فهما أو حكمة أو موائمة , الآن حرم رضا من حقه في التراجع عما كان يعتنقه من أفكار
, بل حرم من حقه في أن يعيش بعيدا عن كل ذلك المستنقع من الضلالات والأكاذيب التي
نسميها "مبادئ سياسية" لنشعر بأن لنا قيمة ووزن ورأى
حرم رضا من العودة لأبناءه ليخبرهم أن الله
يحب المرشد ويحب الأخوان وأن الله يحبهم لأنهم من الأخوان , كان يمكن لذلك أن
يتغير يوما ما , لا أدعي أنني أعلم ما الذي يقوله أولاد رضا الآن أو أهله , ولكن
أرى بعين الخيال آلاف الأبناء والبنات الذين يسمعون الآن من يخبرهم بأن الدولة
والناس والعالم يكرهونكم لأنكم أخوان , يقتلونكم لأنكم مسلمون , الآن أرى دائرة
الانتقام والقتل تغطي الجميع
الآن أفهم لماذا كان ذلك الحلم المضطرب لمحة
من الجحيم الذي سأصلاه للأبد , لإنني بصمتي كنت شريكا في قتل رضا , ومن قتل شخصا
فكأنما قتل الناس جميعا