Friday, June 8, 2012

النظام

معنى أن سقوط مبارك لم يؤثر تقريبا على النظام وفعالية سيطرته على الدولة تعني أن مبارك كان مجرد ترس في آلة أكبر منه بكثير

مبارك لم يكن محرك الماكينة وإلا توقفت بذهابه , مبارك كان مجرد ترس، تآكله أدى لضعف أداء الماكينة وارتباكها العنيف ولكن عادت للعمل بمجرد تغييره بترس أكثر كفاءة

الأزمة الحقيقية أن النظام في مصر هو الدولة ،،، الشرطة, القضاء ، الجيش ، المؤسسة الدينية ، ولا يمكن حقا إسقاط النظام وإلا سقطت الدولة ولكن يمكن احلال خلاياه الميتة بخلايا أخرى حية

الحقيقة الأسوأ أنه نظام بلا رأس، المجلس العسكري مجرد ترس وضع مكان الترس التالف "مبارك"  ،النظام المصري متغلغل بشكل يحافظ على حياته بدون رأس

لا يمكن اسقاط نظام هو عبارة عن كل ضابط شرطة وكل رجل قضاء وكل إعلامي وكل عمدة قرية وكل موظف عام \مدرس\عامل وكل رجل دين وكل رجل اعمال بل وكل معارض

الضابط الذي يعتقل المعارضين ويتفنن في إيذائهم لايقاتل من أجل ولاءه لقياداته بل لولاءه لنفسه ولمكانته ولمصالحه ، هو يعلم ان ذلك الجندي لن يبيت ليلته كلها منتظرا إياه في السيارة تحت منزله ثم يوصل أطفاله للمدرسة بسيارة الشرطة إن كان في دولة أخرى للجندي فيها حقوق ولا يعامل الضابط كإله

ذلك القاضي أو وكيل النيابة الذي يوافق على تجاوز ضميره من أجل بهدلة أولئك المتجرئين على النظام هو في نفس الوقت يحافظ على اسلوب حياته ومكانته ونفوذه في المجتمع ، هو يعلم أن نظام آخر حر متكافئ يعني أن ابنه الذي أتى للعمل بالقضاء بالواسطة- مثله - لن يجد مكانا للعمل وسيصبح نموذج للفشل بين أقرانه , هو يعلم أن نظام آخر ديمقراطي لن يعطيه كل تلك المزايا للمراقبة على الانتخابات ولن يتذلل له لإعطاء أحكام بعينها في قضايا سياسية

ذلك الإعلامي الذي نلقبه بالفلولي ليس بالضرورة عميل لدى جهاز أمني بعينه هو فقط يدافع عن وجوده ، ليس بالضرورة عن أسياد يستمع لتعليماتهم ويستجيب لضغطهم عليه ،بل عن مستوى معيشته وأسلوب حياته ، هو يعلم أن نظام آخر أكثر حرية يمكنه أن يفضح جهله وسطحيته ويجعله بلا ثمن في سوق الإعلام ، هو يعلم أن نظام أكثر تشددا سوف يضيق عليه في حياته الشخصية التي غالبا ماتكون أكثر انفتاحا وتحللا من القيم التي يخضع لها بقية المجتمع

هذا نظام لن يمكن هزيمته بمحاربة الرءوس - بداية من المجلس العسكري والنائب العام وحتى قيادات الوطني وأعضاء المحليات والفاسدين الكبار - فالرءوس ماهي إلا قشرته الخارجية التي يستخدمها للتواصل مع العالم الخارجي ،، يمتص بها فرائسه يجمل بها نفسه ،، لكن الحقيقة أن كل موظف هو خلية في ذلك النظام ، إن ماتت أتى غيرها ليحل محلها

شخصيا أتبنى دائما أسلوب التوعية السياسية لإفقاد النظام خلاياه الحقيقية ،، أولئك الذين يعملون لخدمته دون علمهم أو رغبتهم

أراهن على ضميرهم -ذلك السرطان - الذي إن أستيقظ فلن يستطيع النظام السيطرة عليه بالترغيب والترهيب ،، اراهن على طمعهم في أسلوب حياة أفضل في ظل نظام مختلف عن الذي يستبعدهم

لكن الحقيقة المؤسفة أن اى انسان عادي سوف يفضل لقمة عيشه على ضميره ، سوف يسكت أمام الإهانة مقابل ألا يتغير أسلوب حياته ، هنا يفهم النظام تماما مايفعله ، فلحظة الخوف من التغيير المبالغ فيه كافية للسيطرة على خلاياك المتمردة حتى لا تفكر في أى قدر من التغيير أصلا

يمكن لإضراب عام شامل أن يسقط النظام فهو بمثابة موت للخلايا التي تبقيه حيا ، ولذلك لن يتركك النظام أبدا لكى تصل لتلك النقطة ، فهو سيقوم بتخويف الناس - خلاياه - من الضرر المباشر الذي سيعود عليهم إن سقط النظام ،فيلتئم الجرح سريعا دون أن يؤذي النظام في مقتل

هنا تظهر خلايا النظام المفكرة التي تحلل مايحدث من تغير في بنيته وتعمل بكل قواها لتوجيهه لما يحافظ عليه .. هذه الخلايا هي أجهزته الأمنية والمخابراتية

نرى النظام يكتفي بإستيعاب صرخة الألم التي صرختها خلاياه في احتجاجات فئوية كانت أم طائفية ثم يقوم بالإستجابة لبعض مطالبها مقابل التخلي عن مطالب أخرى ... لا تنس أبدا أن كل مطلب لفئة أو طائفة هو خصم وانتقاص من مكاسب فئات وطوائف أخرى تتموضع في مكانة أعلى داخل النظام

المعارضين أيضا ماهم إلا جزء من النظام يستخدمهم للبقاء لأطول مدى ممكن ، هم يعارضون من أجل تحسين ظروف العمل داخل النظام لكن ليس لتغييره جزريا .. أولئك أيضا من مصلحتهم المباشرة استمرار النظام حتى يستمروا في معارضته

وأولئك الذين يريدون تحويل النظام لشكل آخر -اسلامي - يمكن التعامل معهم كالمضاد الحيوي ، وجودهم يحفز خلايا النظام للعمل بأقصى قوة لإستمراره

أكثر مايخيف ذلك الشاب الذي لايجد متعة جنسية سوى في معاكسة الفتيات في الشارع -وقد حرمه النظام فرصة عمل وزواج - أن يتحول النظام ليكون أكثر تشددا فيمنع وجود أولئك النساء أمامه ليتحرش بهن

يظل النظام محتفظا بتلك الخلايا الاسلامية المغايرة له حية بقدر معين يضمن له إثارة فزع بقية الخلايا المطيعة من تغيير بنية النظام التي تبقيها حية كما هي

ظهر جزء سرطاني داخل ذلك الجزء الخاص بالمعارضة , جزء يؤمن حقا بقضية اسقاط النظام وبناء نظام جديد عادل وديمقراطي , ذلك الجزء السرطاني خطر

استخدم النظام خلاياه التي تتشكل على شكل معارضة لفترة طويلة لمحاربة تلك الخلايا السرطانية المؤمنة بالتغيير الشامل للنظام ولإحاطتها بما يشبه الغشاء المخاطي الذي يستوعب تأثيرها ويمنع خروجه لبقية الخلايا

كان ذلك الغشاء يعمل بشكل هجومي بتخويف الناس من ذلك السرطان الذي يسعى لإسقاط النظام بأجندة خارجية ، أو يقوم بضربه من الداخل عن طريق فضح بعض رجال المعارضة وتلويث الجميع بحجة أن كلهم معارضين

رأينا كيف يقوم النظام بإستخدام خلاياه المعارضة في مواجهة الخلايا السرطانية التي تسعى لتغيير حقيقي في بنية النظام ,,, رأينا كيف تم استغلال ائتلاف شباب الثورة لضرب التوافق الثوري وأحزاب المعارضة الكرتونية لضرب اى توافق سياسي ومرشحين الرئاسة الهزليين لتفتيت اصوات المرشحين الخطرين حقا على النظام
لم تكن تلك العمليات بالضرورة مقصودة أو مرتبة من أعلى ،،، هي مجرد تفاعل طبيعي للأحداث مثل الذي يحدث عندما يصيبك جرح فيقوم جسدك بمقاومة العدوى بشكل تلقائي بدون أمر منك

يمكن أن نصف ذلك الجرح الذي أصاب النظام بأنه الانفتاح الإعلامي المفاجئ على دول العالم عن طريق الانترنت وخاصة الولايات المتحدة ويمكن أن نصف العدوى التي تسربت داخل النظام بأنها عدوى التحرر والديمقراطية والمواطنة والعدالة الاجتماعية

كل مطلب من تلك المطالب يهدد أحد أركان النظام بشكل أساسي فيقوم النظام بالدفاع المستميت ضد كل تلك المطالب مرة واحدة ويواجه ذلك بقوة

يهدد القضاة مبدأ المساواة لإنهم تعودوا أن يكونوا فوق الآخرين ولا يتصورون ان يتنازلوا عن ذلك التمييز

يهدد رجال الدين فكرة المواطنة لإنها تفقدهم نفوذهم على أتباعهم ... أمام كل مشهد أعطانا الأمل في وحدة وطنية حقيقية بين مسلم ومسيحي كان هناك رجل دين يراقب برعب أن يتحول ذلك المشهد لحقيقة فيفقده نفوذه على أتباعه وتضيع عليه حقوق قيادتهم بالخوف من الآخر

يهدد رجال الشرطة مبدأ المحاسبة فهم يفعلون الكثير ممالايريدون أن يحاسبوا عليه

يهدد رجال الأعمال تغيير بيئة العمل والتي تعني أنواع أخرى من الرقابة والمنافسة

أكثر مايخيف ذلك المدرس أن تختفي الدروس الخصوصية فيفقد مورد هائل للرزق ، فستجده يقاوم التغيير نحو نظام تعليمي أفضل بشكل تلقائي دفاعا عن مورد رزقه

يهدد رجال الجيش مبدأ المساواة الذي سيفقدهم تميزهم عن المدنيين ،

يشعر ذلك الأب الذي يخشى على ابنائه حقا بالتهديد من عالم أكثر انفتاحا أخلاقيا

يهدد ذلك السياسي المعارض المزيف أن تكون هناك منافسة سياسية حقيقية على السلطة يخرج منها صفر اليدين لإن طوال عمره لم يحلم بأن يكون صاحب سلطة وكل حلمه كان الظهور لساعات أكثر في وسائل الإعلام

ذلك اللاعب الذي يعلم أن نظام احتراف أكثر شفافية يعني أن يأتي من كل قرية في مصر منافس له ربما قد يكون أكثر منه موهبة لولا فقر موارد البحث عن مواهب جديدة

ذلك الأستاذ الجامعي الذي يعلم أنه في نظام آخر لن يستطيع أن "يقتبس" أبحاث عالمية ولن يجبر الطلاب على العمل لحسابه كما لن يقوم نظام آخر بالتودد إليه مقابل السيطرة على طلابه وابعادهم عن السياسة

تعمل كل خلية من النظام لإستمراره ،، ولكن يظل السرطان – الضمير والوعى - المرض الأكثر قدرة واصرارا على الانتشار داخل تلك الخلايا واسقاطه آجلا أو عاجلا

3 comments:

Ahmad Fahmy said...

تدوينة أكثر من رائعة وتصيب موضع الداء بدقة

انا ايف الحل هو التوعية التوعية التوعية , باقولها من الصيف اللى فات...+ يد واحدة للمخلصين باختلاف ايدولوجياتهم لأن ده مش وقت مرجعيات عندما يكون الفساد هو نفسه النظام

heba said...

تدوينة ممتازة وهذا ما أطلق عليه مصطلح "الدولة العميقة" للأسف

Anonymous said...

تدوينة رائعة تنطبق على عالمنا العربي
وتبقى الحكم النبوية لعلاج هذا الامر

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
من رأي منكم منكر فليغيره بيده
واعلم علم اليقين بان الناس ستتغير ان وجدت التغيير في قمة هرم البلد